قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إنه في نظر مصر، فإن إعادة الإعمار ليست مجرد عمل خيري لصالح سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة، بل هي جزء من مفهومها للأمن القومي الذي يخشى اقتحام مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين لحدودها.
ووصف محلل الشؤون العربية، تسفي برئيل، مصر بأنها من رواد تنظيم مؤتمرات إعادة الاعمار في قطاع غزة، وذلك في ظل سعيها إلى تنظيم مؤتمر دولي لإعادة الإعمار بالقطاع.
وأضاف أنه في العام 2009، بعد عملية "الرصاص المصبوب" دعت مصر الى مؤتمر قمة كهذا، لكنه كان مخيبًا للآمال بعد ان تعهدت الدول المانحة بمبلغ 1.3 مليار دولار فقط.
وبعد خمس سنوات، في 2014، في اعقاب عملية "الجرف الصامد" بلغت الالتزامات حوالي 5.4 مليار دولار، لكن نصف هذا المبلغ فقط وصل الى وجهته.
وبعد سبع سنوات، وفي أعقاب عملية "حارس الاسوار"، لم تنظم مصر مؤتمرًا للمانحين، لكنها قررت تحمل بعض العبء بنفسها، حيث استثمرت حوالي نصف مليار دولار في إعادة تاهيل البنى التحتية في القطاع، خاصة الطرق وانارة الشوارع.
وأوضح برئيل أن غضب مصر من القرار أحادي الجانب الذي اتخذته "إسرائيل"، بفتح معبر رفح هذا الأسبوع في اتجاه واحد، ولو من أجل تسهيل نقل المرضى والجرحى، يشير إلى أن الخوف ما زال موجودًا.
حكم القطاع
إضافة إلى ذلك، أشار إلى أن مصر التي لعبت دورًا محوريًا كوسيط في صفقات احتجاز الرهائن، تعتمد على خريطة طريق استراتيجية يكون لها بموجبها التاثير الرئيس، ليس فقط على جهود إعادة الاعمار التي ستجلب عشرات الشركات المصرية إلى غزة، بل بشكل رئيس تشكيل الهيكل السياسي الذي سيحكم القطاع.
وتوقع برئيل أن تكون السعودية والإمارات وقطر الممولة الرئيسة لجهود إعادة الإعمار، لكن القاهرة تتوقع تحويل غزة إلى محمية مصرية بدون تحمل مسؤولية إدارتها المباشرة. مثلاً، هي لا تتحدث عن إرسال جنودها ضمن القوة متعددة الجنسيات التي سيتم إنشاؤها ذات يوم، بل عن تدريب ضباط الشرطة الفلسطينية.
أيضًا، أوضح أن الخطة المصرية التي وضعتها وقدمتها في مارس الماضي، التي جاءت على خلفية خطة التهجير الجماعي التي خطط لها ترامب ونتنياهو، لا تتحدث عن نية مصر تحمل مسؤولية إدارة القطاع، بل تقدم إعادة الاعمار كحل سيبقي سكان غزة في أماكنهم.
وقال برئيل إن مصر، إلى جانب الولايات المتحدة وقطر وتركيا، هي من الدول الضامنة لتنفيذ وقف إطلاق النار، لكنها ذكرت أن قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي لم يقم بزيارة البيت الأبيض منذ أبريل 2017، ورفض دعوة تلقاها من ترامب لزيارة البيت الأبيض في فبراير الماضي، موضحًا أن ذلك لن يحدث "طالما أن خطة تهجير سكان غزة مطروحة".
وذكر برئيل أنه لم تتم دعوة السيسي لحضور زيارة ترامب في الرياض في شهر أيار الماضي. إضافة الى ذلك ساهمت تلميحات ترامب حول "إعادة النظر" في مسالة المساعدات الخارجية الامريكية، بما في ذلك حجم المساعدات لمصر، في توتر العلاقات بين السيسي وواشنطن.
وقال إن السيسي لا يمكنه إلا أن يشعر بالارتياح لأن ترامب، خلافًا لسلفه جو بايدن، لم يهدد بقطع هذه المساعدات بسبب الانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان في مصر.
السيسي والشرع
وأشار أيضًا إلى أن القاهرة لا تتفق مع ترامب بشأن موقفه من سوريا ورئيسها أحمد الشرع، حيث استقبل السيسي نظيره السوري عند زيارته في القاهرة، لكنه لم يقم بزيارة دمشق (الجديدة) حتى الآن.
ولفت إلى أنه في خطاب ألقاه في الرياض في أكتوبر الماضي خلال مؤتمر "مستقبل مبادرة الاستثمارات في 2025" سخر الشرع من مصر عندما قال إن "العلاقات الممتازة تربط سوريا اليوم بتركيا والسعودية وقطر والامارات. هذه دول ناجحة مع كل الاحترام للدول الأخرى. إن دول مثل مصر والعراق حققت بالفعل نجاحات، لكنها لم تبذل جهودًا كبيرة لمواكبة التطور التكنولوجي في العالم".
ورد الصحفي أحمد موسى بتغريدة في شبكة "اكس"، قال فيها: "الرئيس السوري لا يعرف حجم التطور غير المسبوق في مصر، ربما بسبب السنوات التي قضاها في الكهوف حين قاد ميليشيا إرهابية، ولم يستوعب حجم التطور الثقافي في دولتي. ولكن يبدو أنه حتى بعد سنة على توليه رئاسة سوريا، فإن أقواله تكشف أنه ما زال حبيس تلك الكهوف والأزقة".
ورأى برئيل أنه ليس فقط سياسة السيسي تجاه سوريا هي التي لا تتوافق مع سياسة ترامب، بل إنها تثير غضب حلفائه الإقليميين، بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر وتركيا، والتي احتضنت نظام الشرع وقدمت له الدعم الاقتصادي والأمني ووفرت له غطاءً سياسيًا يدعمه دوليًا.
مصر والإمارات
لكنه قال إنه هذا ليس الدعم الوحيد، فهذه الدول تشكل درعًا اقتصاديًا أساسيًا لمصر، التي تستفيد من استثمارات مباشرة بمليارات الدولارات، ومثال على ذلك مشروع رأس الحكمة السياحي الذي تقوده أبو ظبي، والذي يتوقع أن يدر على مصر 35 مليار دولار. ومن الأمثلة الأخرى الودائع الضخمة للسعودية وقطر التي أنقذت الجنيه المصري.
وتابع: "مع ذلك وفي نفس الوقت بالضبط، تصنف الدول الداعمة أيضًا ضمن "الدول المشتبه فيها" التي سياستها من شأنها أن تمس بمكانة مصر الإقليمية. مثلاً، حتى بعد أن قدمت تركيا يد العون لمصر وأرسلت سفينة غاز طبيعي سائل لمساعدتها على التغلب على نقص الغاز، لم تظهر القاهرة أي تحمس لـ "تطوع" تركيا بارسال جنود ضمن القوة متعددة الجنسيات في قطاع غزة. الخوف هو من أن هذه الخطوة ستلحق الضرر بخطط مصر للحفاظ على احتكارها للنفوذ في القطاع".
أما فيما يتعلق بدولة الامارات، التي وصفها برئيل بأنها المستثمر الأكبر هذه السنة في مصر، التي وقعت في سبتمبر على اتفاق آخر للاستثمارات في عقار سياحي بمبلغ 18.5 مليار دولار (بشراكة سعودية)، فقد رأى أنها أيضًا غير معفاة من الاشتباه. السبب الرئيس هو تاييدها لإثيوبيا التي بنت سد النهضة على النيل، الذي تعتبره مصر تهديدًا حقيقيًا لأمنها القومي.
علاوة على دعم أبو ظبي لميليشيا الانفصاليين في السودان (الدعم السريع)، نظرًا لأن القاهرة تؤيد النظام العسكري بالخرطوم.
مصر وقطر
في حين وصف برئيل قطر التي وقعت في الشهر الماضي على اتفاق مع مصر لتطوير مشروع سياحي ضخم على ساحل البحر الأبيض المتوسط بمبلغ 30 مليار دولار بأنها ركيزة اقتصدية أخرى اكتسبت زخم كبير مقابل موافقة مصر على استئناف العلاقات معها في 2021، بعد اربع سنوات من الحصار والمقاطعة التي فرضتها عليها السعودية ودولة الامارات. وكانت مصر، بالمناسبة، هي آخر دولة من بين الدول الثلاث التي رفعت العقوبات. ورغم ذلك ورغم وجود حوالي 300 ألف مصري يعملون في قطر إلا أن القاهرة تفحص بحذر مشاركة قطر في برنامج إعادة إعمار قطاع غزة.
لكن المحلل بصحيفة "هآرتس"، رأى أن الخطة كلها يبدو أنها غير مضمونة. ففي ظل غياب قوة متعددة الجنسيات، فإن ميزانية إعادة الإعمار تبقى مجرد مفهوم نظري، وهيكل الإدارة المدنية الفلسطيني ما زال ينتظر أشغاله، وكذلك أيضًا تشكيل "مجلس السلام".
وقال إنه في هذه الاثناء حوالي مليوني مواطن يتوزعون بين غرب القطاع الذي تسيطر عليه "حماس" وفصائل أخرى وبين شرق القطاع الذي تسيطر عليه "إسرائيل". في رفح، التي يفترض أن تكون أول فضاء معيشة بديل آمن، تدور رحى حرب، و"الخط الأصفر" هو ساحة قتل.
وأوضح برئيل أن هناك أوساطًا في مصر تحاول إقناع الناس بأن ما يبدو كأنه جامد هو "وضع مؤقت ضروري من أجل الانتظام"، وأن "الكثير من النشاط يجري خلف الكواليس، الذي يتناول استكمال الخطة"، بحسب ما نقل عن مصدر مصري غير حكومي مقرب من المشهد السياسي في مصر.
مع ذلك، ذكر أن وزير خارجية مصر، لا يملك أية إجابة واضحة على أسئلة محددة مثل أي الدول ستشارك في المؤتمر، ما هو حجم الأموال التي تتوقع مصر جمعها، من سيحدد الأولويات، من هي الشركات والدول التي ستنفذ العمل. مع
غير أن المصدر المصري يقول: "كل شيء هو قيد النقاش وسيتم بالتنسيق مع صانعي القرار".
وعلق برئيل: في الواقع "صانعو القرار" هم فعليًا جهة واحدة وهي الرئيس ترامب. وفي المنافسة على قلبه وعلى قراره فإن اعتبارات وخطط مصر ليست بالضرورة ستكون على رأس قائمة الأولويات.
https://www.haaretz.com/middle-east-news/egypt/2025-12-05/ty-article/.premium/rebuilding-gaza-is-also-egypts-battle-to-boost-its-standing-in-the-whole-middle-east/0000019a-ee18-d9c0-adda-ffbe72ad0000

