في قلب العاصمة الألمانية برلين، وبصوت واحد هز أركان الصمت الرسمي، خرجت الحشود لتضع الحكومة الألمانية أمام مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية، رافعة مطلباً واحداً لا يقبل المساومة: "أوقفوا تدفق السلاح إلى الاحتلال". لم تكن هذه التظاهرات مجرد تعبير عن الغضب، بل كانت رسالة سياسية حادة وواضحة تؤكد أن الشارع الألماني يرفض أن تموّل ضرائبه الإبادة الجماعية في غزة، وأن المواطن الحر لن يقبل بأن تتحول بلاده إلى "شريك لوجستي" في الحرب، مهما حاولت السلطات استخدام القوة لقمع هذا الصوت.
"لا أسلحة لإسرائيل".. المطلب الذي أرعب السلطة
انطلقت المسيرة الحاشدة من حي نويكولن، لتتحول إلى استفتاء شعبي في الشارع ضد سياسات التسليح. اللافتات التي غطت سماء المظاهرة لم تكتفِ بالشعارات العاطفية، بل ركزت بدقة على "صنبور السلاح" الذي ترعاه برلين. عبارات مثل "لا أسلحة لإسرائيل" و"ألمانيا تلطخ يديها بدماء الفلسطينيين" لم تكن مجرد هتافات، بل لائحة اتهام شعبية ضد حكومة قررت أن تكون المورد الثاني عالمياً لآلة القتل الإسرائيلية.
المتظاهرون نجحوا في تعرية السردية الحكومية التي تختبئ خلف "حق الدفاع عن النفس"، مؤكدين أن إرسال الغواصات والقذائف وقطع الغيار إلى جيش يمارس الإبادة هو شراكة كاملة في الجريمة، وهو ما جعل هذا المطلب (وقف التسليح) هو "الكابوس" الذي تخشى الحكومة سماعه في شوارعها.
كسر جدار الصمت حول "القرار الفضيحة"
جاء توقيت هذا الحراك ليضرب في مقتل القرار الحكومي الأخير، الذي سمح برفع القيود عن تصدير الأسلحة وتمريرها عبر "تقييمات فردية". المحتجون التقطوا هذه "الفضيحة السياسية" وحولوها إلى وقود لاستمرار الحراك، فاضحين تناقض المستشار فريدريش ميرتس الذي تذرع بهدنة هشة لتمرير صفقات الموت.
لقد أثبتت هذه الاحتجاجات وعي الشارع بأن "التقييمات الفردية" ما هي إلا غطاء بيروقراطي لاستمرار تدفق الذخائر، وأن الحراك الشعبي هو الضمانة الوحيدة لفضح هذه السياسات، حيث رفض المتظاهرون الرواية الرسمية وأصروا على أن أي قطعة سلاح تخرج من ألمانيا اليوم هي رصاصة في صدر طفل فلسطيني غداً.
القمع الأمني.. دليل قوة الحراك لا ضعفه
رغم لجوء الشرطة الألمانية إلى العنف المفرط، والاعتقالات التي طالت النشطاء، ومشاهد الضرب الوحشي –خاصة ضد المتظاهر الأسمر– إلا أن هذه الممارسات عكست "ذعر السلطة" من قوة الرسالة لا ضعف المتظاهرين. الهتافات التي انطلقت تنديداً بـ"العنصرية المؤسسية" و"القمع الأمني" أكدت أن العصا الأمنية فشلت في كسر إرادة المحتجين.
صمود المتظاهرين أمام دفعات الشرطة ومحاولات التفريق بالقوة حول ساحة "سكاليتر" إلى ميدان صمود، حيث أثبت الصوت المناصر لفلسطين أنه أقوى من الهراوات، وأن قضية وقف التسليح باتت معركة مبدأ لن يتراجع عنها الشارع مهما اشتد التضييق.
خاتمة: الشارع يكتب التاريخ
ما حدث في برلين يؤكد حقيقة ساطعة: محاولات الحكومة الألمانية لتطبيع دعمها العسكري للاحتلال تواجه جداراً صلباً من الرفض الشعبي. هذه المظاهرات ليست مجرد حدث عابر، بل هي بداية لموجة تصاعدية تدرك أن وقف العدوان يبدأ بقطع شريان السلاح. الرسالة وصلت بوضوح: لن تنعم الحكومة بالهدوء طالما استمرت مصانعها في تغذية المحرقة، وصوت "أوقفوا التسليح" سيظل يتردد في برلين حتى يتوقف تصدير الموت.

