في قرية صغيرة بدائرة قويسنا بمحافظة المنوفية، هزّت جريمة مروّعة المجتمع كله، بعدما انتهت حياة الشابة كريمة محمد صقر—ابنة العشرينيات والعروس الجديدة—داخل منزل زوجها، بعد زواج لم يكتمل سوى أربعة أشهر فقط، وبعد أن كانت تحمل جنينها الأول في شهره الثاني.
لم تكن “كريمة” تتخيّل أن بيت الزوجية، الذي دخلته عروسًا سعيدة، سيكون المكان الذي تُفارق فيه الحياة. فبعد أسابيع قليلة من زفافها، بدأت ملامح الخوف تظهر في صوتها وهي تخبر أسرتها عن ضغوط تتعرض لها، ثم عن ضرب وإهانات متكررة، قبل أن تُنقل جثتها إلى المستشفى وعليها آثار كدمات ونزيف، ووجه أزرق حمل مفاجأة صادمة لأسرتها.
بداية الحكاية: زواج صالونات انتهى بمأساة
تنحدر كريمة من قرية مشتهر بالقليوبية، حيث عاشت حياة بسيطة، تعمل في مصنع لتعبئة الخضروات، وتدخر أموالها لتجهيز منزلها قبل الزواج. عندما تقدّم “أيمن”—واسمه الحقيقي جمال بحيري—لخطبتها، بدا شابًا هادئًا من أسرة معروفة، ما جعل العائلة توافق دون تردد.
استمرت الخطبة عشرة أشهر، لم تظهر خلالها أي إشارات تنذر بالخطر، بل بدت الزيجة عادية كتلك التي اعتادتها القرية.
لكن ليلة الدخلة حملت أول علامة غريبة؛ فقد وجدت أسرة العروس شقة الزوجية في حالة فوضى غير مبررة، إلا أنهم مرّوا على الأمر مرور الكرام.
زواج يبدأ بالضغط وينتهي بالعنف
منذ اليوم التالي للزفاف، ظهرت بوادر السيطرة الصارمة من الزوج، الذي بدأ بمنع زوجته من استخدام هاتفها، ثم إشراك أسرته في تفاصيل حياتهما بدءًا من وجبات الفطار وصولاً إلى “محشي” الصباحية.
بعد أيام قليلة، أصيبت العروس بنزيف حاد، وظلت أسبوعًا كاملًا تعاني دون أن يأخذها الزوج إلى الطبيب بحجة “عدم وجود مال”. وعندما ساءت حالتها، أحضرها أهلها إلى منزلهم للعلاج.
لكن العودة الثانية إلى بيت الزوجية كانت بداية مرحلة جديدة من العنف. تروي الأم أن ابنتها بدأت تتصل باكية تتحدث عن ضرب متكرر، تهديدات، ومحاولات للتحكم الكامل في تفاصيل يومها.
إحدى المرات عادت “كريمة” إلى بيت أسرتها مرتعشة وفي قدمها آثار ضرب، تروي أنها تعرضت للتهديد: «هكتفِك وارميك من البلكونة وأقول انتحرت».
ورغم كل ذلك، حاولت الأسرة رأب الصدع خوفًا من الطلاق، خاصة بعدما اكتشفت “كريمة” أنها حامل.
الزيارة الأخيرة.. وزوجة على «هيئة الوداع»
قبل يومين من وفاتها، جاءت كريمة إلى منزل أهلها في زيارة قصيرة. تقول خالتها: «كانت شاحبة.. حسّيت إنها بتيجي تودّع».
وفي السبت المشؤوم، وصل إلى أسرتها خبر مرتبك: “وقعت من على السلم وقطع نفسها..”. وعندما حاولت الأم الاتصال، لم يجب أحد.
بعد دقائق رن هاتفها من إحدى الجارات التي أفجعتها بجملة: «بنتك ماتت من الساعة واحدة.. ومحدش عارف يتصرف».
مشهد الصدمة: جثمان يعبر عن الحقيقة
عند وصولهم لمنزل الزوجية، وجدوا الباب مفتوحًا. لم يكن الزوج موجودًا، بينما نزلت حماته من السلم ببرود غريب.
وصف والد العروس المشهد المؤلم: وجه أزرق، وآثار ضرب على الرأس، ونزيف من الأذن، وكدمات ممتدة في الرقبة والجسد، وعينان مفتوحتان كأنها تحاول أن تنطق ولا تستطيع
قالت الأم بصوت يختلط بالبكاء: «ده مش سقوط سلم.. ده موت».
شهادات الجيران تكشف ما حدث
روت إحدى الجارات أنها سمعت صراخ “كريمة” لمدة ساعة كاملة قبل الظهر.
أخرى قالت إنها رأت الزوج يحاول نقل الجثمان في “توك توك”، وإن جسدها كان مليئًا بالكدمات.
كما أكدت شهادات أن الزوج ووالدته حاولوا تغيير ملابسها لإخفاء آثار الاعتداء.
ردود من أسرة الزوج.. وتكذيب للاتهامات
في المقابل، نفى شقيق الزوج كل اتهامات أسرة العروس، مؤكدًا أن شقيقه «كان يحبها»، وأن زوجته كانت تقدم الطعام للعروس باستمرار.
بينما قالت حماة المجني عليها إن “كريمة كانت بنت محترمة”، مؤكدة أنها كانت مريضة بسبب الحمل وأن زوجها “كان مهنيها”.
ألقت مباحث قويسنا القبض على المتهم، وقررت النيابة حبسه 4 أيام، ثم تجديد الحبس 15 يومًا على ذمة التحقيقات.
كما صرحت النيابة بدفن الجثمان بعد انتهاء الطب الشرعي من أعماله، وسط انهيار والدتها التي ظلت تصرخ مطالبة بالقصاص.
تشييع الجثمان.. ووداع موجع
شُيّع جثمان “كريمة” وجنينها في قرية مشتهر بالقليوبية وسط بكاء وانهيار أسرتها، التي لم تتخيل أن ابنتهم التي خرجت عروسًا قبل أسابيع ستعود إليهم في كفن بدلًا من ملابس الزفاف.
تقول الأم وهي تحتضن صور ابنتها: «مش عايزة غير حقها.. ربنا فوق الكل».
ومع استمرار التحقيقات، يعيش أهالي القريتين—مشتهر وميت برة—على وقع صدمة لا تهدأ، منتظرين كلمة القانون في واحدة من أكثر القضايا ألمًا وإثارة للرأي العام.

