لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم في حريق شقة سكنية بشبرا، فيما أصيب ثلاثة آخرين في حريق ضخم بمخزن زيوت في مسطرد بالقليوبية، في “حادثين” وقعا صباح اليوم .

 

فهذان الحادثين اللذان اندلعا صباح اليوم في شارع الترعة البولاقية، وقبله في مخزن الزيوت خلف المركز الطبي بمسطرد، يعكس واقعًا أشد قسوة: دولة غائبة عن أبسط مهامها في حماية أرواح الناس، وسلطة تعتبر السلامة والأمن حقًا ثانويًا مقارنة بما تنفقه على الطرق الفارهة والعواصم الجديدة والمشروعات الاستعراضية.

 

في شبرا احترقت شقة وسقط ثلاثة ضحايا، وفي مسطرد اشتعل مخزن زيوت وسط كتلة سكنية، وأصيب رجال إطفاء ومدنيون. أما القاسم المشترك بين المشهدين، فهو أن المواطن ما زال يدفع الثمن، بينما تتحرك مؤسسات الدولة في كل مرة بالأسلوب نفسه: بلاغ – سيارات إطفاء – كردون أمني – تحقيقات النيابة – ثم صمت، بانتظار الكارثة التالية.

 

حريق شبرا: مأساة يومية في أحياء المنسيين

 

في شارع الترعة البولاقية بمنطقة شبرا، اندلع حريق داخل شقة سكنية حوّل صباح الأهالي إلى لحظات من الرعب والصدمة. تصاعدت ألسنة اللهب والدخان من داخل العقار، وهرول السكان للنجاة ومحاولة إنقاذ من بداخل الشقة، قبل أن تصل قوات الإطفاء وتسيطر على الحريق قبل امتداده للوحدات المجاورة.

 

لكن السيطرة جاءت متأخرة على ثلاثة أرواح:

 

 

  • العثور على ثلاث جثث داخل الشقة المحترقة.
  • نقل الجثامين إلى المشرحة تحت تصرف النيابة.
  • أبناء منطقة كاملة يقفون في الشارع مذهولين، يتابعون المعاينة الأمنية في مشهد تكرر مئات المرات من قبل.

 

ورغم كل هذا، ستُسجل الحادثة على الأرجح في الأوراق الرسمية تحت بند “حريق شقة سكنية”، بلا اعتراف بحجم التقصير البنيوي في شروط السلامة داخل العقارات السكنية، وغياب الرقابة، وترك أحياء كاملة تحت رحمة العشوائية والتهالك.

 

دولة مشغولة بالاستثمار… لا بسلامة البشر

 

في الوقت الذي تتباهى فيه حكومة الانقلاب بالمليارات التي تُضخ في العاصمة الإدارية والمنتجعات الجديدة، تعيش أحياء شعبية مثل شبرا تحت تهديد دائم من:

 

 

  • توصيلات كهرباء عشوائية.
  • عقارات قديمة بلا اشتراطات سلامة حقيقية.
  • غياب أنظمة إنذار وإطفاء داخل المباني السكنية.
  • مناطق مكتظة لا تراعي أي معايير لتأمين المخارج ومسارات الهروب وقت الطوارئ.

 

هذه ليست مسؤولية السكان وحدهم، بل مسؤولية دولة تركت ملف الإسكان الشعبي والأحياء القديمة ينهار، بينما ضخت الموارد في مشروعات لا ترتبط بحياة الناس اليومية. كيف يمكن لسلطة تتحدث عن “الجمهورية الجديدة” أن تترك مواطنيها يحترقون في شققهم، بلا خطة حقيقية لتأمين العقارات القديمة ومراجعة البنية التحتية المتهالكة؟

 

من مسطرد إلى شبرا: حرائق متتابعة تكشف الفوضى

 

حريق مخزن الزيوت في مسطرد بالقليوبية ليس بعيدًا عن مشهد شبرا، بل هو جزء من الصورة نفسها. مخزن زيوت بالدور الأرضي لعقار مكوَّن من خمسة طوابق، خلف مركز طبي، وسط منطقة سكنية مزدحمة. اشتعال هذا النوع من المخازن يحمل خطرًا هائلًا، وقد كان من الممكن أن يتحول إلى كارثة كبيرة لولا تدخل قوات الإطفاء في الوقت المناسب نسبيًا.

 

رغم ذلك، أسفر الحريق عن:

 

 

  • إصابة اثنين من رجال الحماية المدنية أثناء أداء عملهما.
  • إصابة مدني كان متواجدًا بالقرب من موقع الحريق.
  • نقل المصابين إلى مستشفى ناصر العام، مع إعلان استقرار حالتهم الصحية.

 

المعاينة المبدئية تشير إلى احتمالية ماس كهربائي أو إهمال في اشتراطات السلامة داخل المخزن. لكن السؤال الأهم: كيف يُسمح من الأساس بتخزين مواد شديدة الاشتعال في عقار سكني ووسط كتلة سكنية، دون رقابة صارمة، ودون إلزام حقيقي بتطبيق معايير السلامة؟

 

حماية مدنية تعمل وسط نظام لا يحمي

 

رجال الإطفاء والحماية المدنية، الذين أصيب اثنان منهم في حريق مسطرد، يتحملون عبء نظام كامل يترك الملفات تنفجر فوق رؤوسهم. يتحركون بعد وقوع الكارثة، لا قبلها، لأن الدولة لا تستثمر بما يكفي في:

 

  • خطط وقائية جادة وتفتيش منتظم على العقارات والمخازن.
  • تدريب السكان وأصحاب المخازن على التعامل مع مخاطر الحريق.
  • إلزام صارم بتوافر أنظمة إنذار وإطفاء في المخازن والمصانع والمباني القديمة.

 

النتيجة أن دورهم يتحول من “منع الكارثة” إلى “تقليل حجم الخسائر”، بينما تبقى الأسباب الحقيقية بلا معالجة.

 

أسئلة مفتوحة لحكومة الانقلاب

 

مصرع ثلاثة أشخاص في حريق شقة بشبرا، وإصابة ثلاثة في حريق مخزن بمسطرد، يفتحان بابًا واسعًا من الأسئلة أمام حكومة الانقلاب:

 

  • أين خطط تأمين الأحياء القديمة والمزدحمة؟
  • ما هي معايير ترخيص المخازن والخدمات الخطرة داخل الكتل السكنية؟
  • لماذا تغيب الشفافية عن نتائج التحقيقات بعد كل كارثة مشابهة؟
  • أين أولوية “حياة المواطن” وسط سباق الشو الإعلامي والمشروعات العملاقة؟

 

حتى تُجاب هذه الأسئلة بأفعال لا بشعارات، ستبقى الحرائق تتكرر، والضحايا يتساقطون، وتبقى السلطة مشغولة بإدارة صورتها، أكثر من انشغالها بحماية أرواح من تحكمهم.