قال معهد الأبحاث البريطاني "تشاتام هاوس"، إنه من المرجح أن تستمر السياسة الخارجية المصرية في الافتقار إلى التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد والموارد اللازمة لتشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية بشكل كبير في عام 2026.
يأتي ذلك على الرغم من إشارته إلى "الدور الفاعل" الذي اضطلعت به مصر اضطلعت خلال العامين الماضيين على عدة جبهات، من خلال توسطها في المحادثات بشأن غزة، والبرنامج النووي الإيراني، والعمل على خفض التصعيد العسكري "الإسرائيلي" في جنوب لبنان، ودعم الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع.
وأضاف: "ظاهريًا، يمكن النظر إلى هذا النشاط الجديد على أنه استعادة لمصر مكانتها وتعزيز دورها كعامل استقرار إقليمي. لكن في الواقع، أدت حرب غزة وما تلاها من اضطرابات إقليمية إلى ترسيخ نظام إقليمي تم فيه تهميش مصر إلى حد ما، في حين تُعطي واشنطن الأولوية لعلاقاتها مع إسرائيل ودول الخليج".
وتابع: "ويعكس هذا جزئيًا نهج مصر التفاعلي والمتجنب للمخاطر في السياسة الخارجية، فضلاً عن قيودها الاقتصادية التي تعني اعتمادها على الاستثمار الأجنبي".
3 أهداف مصرية
وأشار التقرير إلى أنه "لطالما ركزت السياسة الخارجية المصرية بشكل ضيق على ثلاثة أهداف رئيسة: صد التهديدات القريبة من حدودها، والحفاظ على بقاء النظام، وإنعاش اقتصادها المتعثر. وفي عام 2025، اتخذت مصر عدة إجراءات لتحقيق هذه الأهداف".
ورصد في هذا الإطار التقارب المصري تجاه قطر وتركيا، وهما دولتان كانت تربطها بهما علاقات متوترة تاريخيًا، فضلاً عن السعودية، الأمر الذي اعتبره يعكس جزئيًا توافق المصالح الإقليمية في غزة والسودان. كما يتأثر هذا التوجه بعودة الرئيس دونالد ترامب إلى منصبه، والذي يُنظر إليه على أنه يتمتع بعلاقات وثيقة مع دول الخليج.
وسلط التقرير الضوء على الدور المصري في وقف إطلاق الحرب على غزة، إلى جانب كل من قطر وتركيا، قائلاً إن الدول الثلاث عملت مع الولايات المتحدة لتأمين وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة، وقد وضعت مصر نفسها في موقع لا غنى عنه لنجاح خطة ترامب للسلام في غزة . والأهم من ذلك، على عكس موقف ترامب السابق "لا تتضمن خطة السلام طرد الفلسطينيين من غزة، وهو الأمر الذي عارضته القاهرة باستمرار".
إلى جانب الوساطة، أوضح التقرير أن مصر سعت إلى أن تكون قوة جامعة، "فقد استضافت القمة العربي الطارئة بشأن غزة في مارس 2025 ومؤتمر السلام بشرم الشيخ الذي مثّل ذلك نهاية الحرب في أكتوبر".
علاوة على ذلك، أشار إلى أنه "في السودان، تقف مصر وتركيا والسعودية مجددًا صفًا واحدًا، حيث تدعم القوات المسلحة السودانية لمنع قوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات من السيطرة الكاملة على البلاد. (تنفي الإمارات دعمها لقوات الدعم السريع)".
كما أن مصر وتركيا متحالفتان في مواجهة طموحات إثيوبيا للهيمنة من خلال دعم الصومال وإريتريا في القرن الأفريقي، كما سعتا إلى الحفاظ على الاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط. وأجرتا أول مناورة بحرية مشتركة بينهما خلال 13 عامًا في سبتمبر، مما يشير إلى شراكة عسكرية متنامية.
تأمين الاستثمار الأجنبي
لكن التقرير بين أن استراتيجية مصر الإقليمية تواجه تحديات، بعضها من صنعها. فهي مقيدة باختلالات اقتصادية مستمرة نتيجة ديون عامة غير مستدامة، وسوء إدارة اقتصادية، وبطء وتيرة الإصلاحات الداخلية، على الرغم من بوادر التعافي.
وذكر أن تنويع مصر لعلاقاتها الخارجية كان مدفوعًا جزئيًا بالبحث عن مصادر جديدة للاستثمار الأجنبي. وقد تضررت إيرادات مصر من قناة السويس - وهي مصدر رئيس للعملة الأجنبية - بشدة جراء هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، وتراجعت بشكل حاد من أكثر من 10 مليارات دولار في عام 2023 إلى حوالي 4 مليارات دولار في عام 2024.
في المقابل، لفت إلى أن مصر نجحت في جذب سلسلة من صفقات الاستثمار والتمويل، مما قد يعكس الاعتراف بدورها كوسيط. وفي فبراير 2024، أعلنت عن مشروع رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات العربية المتحدة. وفي مارس 2024، زاد صندوق النقد الدولي قيمة القرض المقدم إلى مصر لـ 8 مليارات دولار.
ونتيجةً بارزةً لعلاقاتها الوثيقة مع الدوحة، أشار إلى أن مصر وقّعت مؤخرًا اتفاقية بقيمة تقارب 30 مليار دولار مع قطر لتطوير منطقة علم الروم على الساحل الشمالي، وذلك بعد اتفاق للحصول على حزمة بقيمة 7.5 مليون دولار من الاستثمار القطري المباشر.
لكنه قال إنه على الرغم من الأدلة المبكرة على الجدوى الاقتصادية لا زالت التحديات الهيكلية المستمرة قائمة. فقد أثر تدهور مستويات المعيشة على الاستقرار الاجتماعي وأدى إلى شبه اختفاء الطبقة الوسطى في مصر.
كما أن النفوذ الاقتصادي الواسع للجيش، وتصرفات الحكومة الباذخة، كلها عوامل تساهم في ذلك، مما يؤدي إلى ترسيخ نموذج رأسمالية الدولة في مصر ومنع انفتاح الاقتصاد بشكل أكبر.
السياسة الخارجية المصرية
إلى جانب القيود الاقتصادية، قال التقرير إن السياسة الخارجية المصرية تعاني أيضًا من كونها رد فعلية، مما أدى إلى تحالفات قصيرة الأمد ومكاسب مؤقتة فقط.
يعود الموقف الإقليمي الحذر لمصر جزئيًا إلى طبيعة قيادتها التي تتجنب المخاطر، فمنذ وصوله إلى السلطة عام 2014، تجنب السيسي وحاشيته إلى حد كبير التدخل أو جهود خفض التصعيد في النزاعات الكبرى البعيدة عن حدود مصر، مما يعكس النهج شبه الانعزالي الذي يتبناه وسياسة خارجية مصممة لخدمة الأولويات الاقتصادية المحلية.
وسعت القاهرة إلى تجنب استفزاز الولايات المتحدة، وكذلك السعودية والإمارات، اللتين تقدمان أيضًا دعمًا سياسيًا وماليًا هامًا لمصر. وبذلك، تنازلت عن دور أكثر فاعلية لهذه القوى. ويبدو أن الرئيس ترامب يفضل نظامًا إقليميًا جديدًا يتمحور حول الخليج و"إسرائيل"، مع تراجع أهمية مصر كلاعب رئيس، كما يتضح من جولته رفيعة المستوى في الخليج وزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمانيز إلى واشنطن.
عواقب وخيمة
وبحسب ما ورد وتردد في السودان ومصر عن دعم القوات المسلحة السعودية بمساعدة عسكرية كافية خلال المراحل الأولى من الحرب. ومنذ ذلك الحين، حققت قوات الدعم السريع مكاسب كبيرة، بما فيها الاستيلاء على الفاشر. في حين لمحت مصر إلى أنها تستطيع التدخل عسكريًا إذا تم تجاوز "خطوطها الحمراء"، بما فيها أي تقسيم للسودان، لكن التقرير رأى أن مثل هذا التدخل سيكون الآن أكثر تكلفة وخطورة بكثير مما كان عليه في وقت سابق من الحرب.
وبالمثل، اعتبر أن الخطة المصرية/العربية لإعادة إعمار غزة لم تأت إلا كرد فعل لخطط الرئيس ترامب "للسيطرة" على قطاع غزة. كما أن خطر تهجير الفلسطينيين من غزة لا زال قائمًا؛ فقد أعلنت مصر رفضها لاقتراح "إسرائيل" بإعادة فتح معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر في اتجاه واحد فقط.
وفي النزاع حول سد النهضة الإثيوبي، أوضح التقرير أن مصر تبنت نهج "القليل جدًا والمتأخر جدًا"، حيث فشلت في إجبار إثيوبيا على توقيع اتفاقية ملزمة قانونًا بشأن تقاسم مياه النيل، وفشلت في الاعتراض على تنفيذ مشاريع على نهر النيل، مما يثير مخاوف بشأن المياه.
السياسة المصرية في 2026
على ضوء ما سبق، رجح التقرير أن تستخدم مصر في عام 2026 قناتها المفتوحة مع إدارة ترامب كوسيط في محاولة لمواجهة أي محاولات متجددة لتهجير الفلسطينيين من غزة والدفع من أجل تنفيذ المرحلة الثانية الصعبة من وقف إطلاق النار.
وقال إن العام المقبل قد يشهد تعميقًا للشراكات مع قطر وتركيا والسعودية، مما قد يُسهم في تشكيل جبهة توازن ناشئة في مواجهة الدور الإقليمي المتنامي لـ "إسرائيل". مع ذلك، ستسعى القاهرة إلى الحفاظ على معاهدة السلام مع "إسرائيل" كأولوية استراتيجية قصوى، ومن غير المرجح أن تتخذ أي إجراءات قد تُعرّض هذه المعاهدة للخطر.
وفي السودان، أشار التقرير إلى أنه إذا بدا أن قوات الدعم السريع قد تستولي على الخرطوم أو الحدود مع مصر، فقد تتدخل القاهرة عسكريًا، وإلا، فمن المرجح أن تسعى إلى إبطاء تقدم قوات الدعم السريع عبر التعاون مع تركيا والسعودية لزيادة الدعم للقوات المسلحة السودانية وتعزيز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية. ولتحقيق هذه الغاية، قد تسعى القاهرة أيضًا إلى استغلال اهتمام إدارة ترامب المتجدد بالسودان وتصاعد التنافس بين السعودية والإمارات.
بشكل عام، رجح التقرير أن تستمر السياسة الخارجية المصرية في الافتقار إلى التخطيط الاستراتيجي طويل الأجل والموارد اللازمة لتشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية بشكل كبير في عام 2026. وحتى عند الإشارة إلى الاستياء أو لعب أدوار الوساطة، ستظل جهودها هادئة ومحافظة ومصممة لتجنب إبعاد أي طرف.
https://www.chathamhouse.org/2025/12/egypts-foreign-policy-will-remain-too-little-too-late-2026

