كشف صحيفة "الجارديان" تفاصيل عن شركات يديرها أشخاص فرضت عليهم الولايات المتحدة عقوبات بسبب دورهم في تجنيد مقاتلين كولومبيين للانضام لصفوف قوات الدعم السريع، والمشتبه بهم على نطاق واسع بارتكاب جرائم حرب في السودان.

 

وبالقرب من ملعب توتنهام هوتسبير لكرة القدم في لندن، يقع مبنى سكني متواضع وغير مميز يضم بين جدرانه شقة ضيقة في الطابق الثاني، مرتبطة بجرائم قتل مروعة في السودان.

 

تجنيد المرتزقة في السودان 

 

وبحسب وثائق الحكومة البريطانية، فإن الشقة الواقعة قبالة طريق كريتون شمال لندن مرتبطة بشبكة عابرة للحدود من الشركات المتورطة في التجنيد الجماعي للمرتزقة للقتال في السودان إلى جانب الجماعات شبه العسكرية المتهمة بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية لا حصر لها.

 

وتم تجنيد المئات من أفراد الجيش الكولومبي السابقين للقتال مع قوات الدعم السريع السودانية، المسؤولة عن عمليات الاغتصاب الجماعي والمذابح العرقية والقتل المنهجي للنساء والأطفال.

 

وشارك المرتزقة الكولومبيون بشكل مباشر في الاستيلاء على مدينة الفاشر جنوب غرب السودان في أواخر أكتوبر، الأمر الذي أدى إلى موجة قتل يقول المحللون إنها أودت بحياة ما لا يقل عن 60 ألف شخص.

 

وكشف تحقيق أجرته صحيفة "الجارديان" عن وجود صلات بين المرتزقة الذين تم استئجارهم لاقتحام الفاشر وعناوين في العاصمة البريطانية.

 

وأوضح التقرير أن الشركة المحورية في القضية التي حملت لاحقًا اسم "زيوس جلوبال"، سُجلت في شمال لندن برأسمال محدود، ويظهر في سجلات هيئة تسجيل الشركات البريطانية أن مؤسسيها مواطنون كولومبيون مصنّفون كمقيمين في المملكة المتحدة.

 

وأشار التحقيق إلى أن الشركة أسسها مواطنان كولومبيان في الخمسينيات من العمر، فرضت عليهما وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات الأسبوع الماضي بتهمة توظيف مرتزقة كولومبيين للقتال لصالح قوات الدعم السريع في السودان.

 

وفي اليوم التالي لإعلان وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على المسؤولين عن تجنيد المرتزقة الكولومبيين - 9 ديسمبر - نقلت الشركة عملياتها فجأة إلى قلب لندن. وفي 10 ديسمبر، نشرت الشركة "تفاصيل عنوانها الجديد"، مستخدمة عناوين مرتبطة بفنادق فاخرة نفت أي علاقة لها بالشركة، مما أثار تساؤلات حول الرقابة والشفافية.

 

تساؤلات حول إنشاء وإدارة الشركة في بريطانيا

 

ويقول الخبراء إن هذه القصة أثارت تساؤلات حول كيفية تمكن الأفراد الذين انتقدتهم الولايات المتحدة علنًا بسبب "أدوارهم في تأجيج الحرب الأهلية في السودان" من إنشاء وإدارة شركة في العاصمة البريطانية.

 

وأدانت وزيرة الخارجية البريطانية، إيفيت كوبر، قوات الدعم السريع لارتكابها "جرائم قتل ممنهجة وتعذيب وعنف جنسي" بعد سيطرتها، بينما تتهمها الولايات المتحدة بارتكاب إبادة جماعية.

 

قال مايك لويس، الباحث والعضو السابق في لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية بالسودان: "من دواعي القلق البالغ أن الأفراد الرئيسين الذين تدعي الحكومة الأمريكية أنهم يديرون إمدادات المرتزقة هذه قد تمكنوا من إنشاء شركة بريطانية تعمل من شقة في شمال لندن، بل وحتى الادعاء بأنهم مقيمون في المملكة المتحدة".

 

وعندما سُئلت هيئة تسجيل الشركات عما إذا كانت لديها أي معلومات حول ما قامت به شركة " زيوس جلوبال" أو ما تقوم به حاليًا، لم تُجب. كما امتنعت عن تأكيد ما إذا كان الأفراد الخاضعون للعقوبات مقيمين بالفعل في المملكة المتحدة.

 

مسؤول شبكة التجنيد الكولومبية

 

وبحسب وزارة الخزانة الأمريكية، فإن الرجل الذي يقف في قلب شبكة التجنيد الكولومبية لقوات الدعم السريع هو مواطن كولومبي إيطالي مزدوج الجنسية وضابط عسكري كولومبي متقاعد يقيم في الإمارات العربية المتحدة ويدعى ألفارو أندريس كويخانو بيسيرا.

 

وتتهم وزارة الخزانة الأمريكية كويخانو بلعب دور محوري في تجنيد جنود كولومبيين سابقين لإرسالهم إلى السودان، وذلك عبر وكالة توظيف مقرها بوجوتا شارك في تأسيسها. كما فُرضت عقوبات على زوجته، كلوديا فيفيانا أوليفروس فوريرو، لامتلاكها وإدارتها للوكالة.

 

وتعرض مواطن كولومبي إسباني مزدوج الجنسية يدعى ماتيو أندريس دوكي بوتيرو للتوبيخ من قبل الولايات المتحدة لإدارته شركة متهمة بإدارة الأموال والرواتب للشبكة التي توظف المقاتلين الكولومبيين.

 

بعد ثلاثة أيام، هاجمت قوات الدعم السريع مخيم زمزم للنازحين، فقتلت أكثر من 1500 مدني. وبعد الاستيلاء عليه، سُلّم المخيم إلى مرتزقة كولومبيين شرعوا في الاستعدادات لمهاجمة الفاشر، الواقعة على بعد ثمانية أميال شمالاً.

 

تم ذكر اسمي دوكي وأوليفروس في سجلات شركة هاوس باعتبارهما مالكين "للحصص الأولية"، وتم تسمية الأخير كشخص يتمتع "بسيطرة كبيرة" داخل الشركة.

 

وتصف أوليفيروس، وهي امرأة كولومبية تبلغ من العمر 52 عامًا، بريطانيا بأنها "بلد إقامتها".

 

في 17 يوليو 2025، عُيّن دوكي مديرًا، ويُقال إنه مقيم في المملكة المتحدة. ويقول المحللون إن توظيف الكولومبيين كان له أثر بالغ على مسار الصراع، إذ قام بتدريب أطفال ليصبحوا جنودًا، بالإضافة إلى القتال كقناصين وجنود مشاة.

 

كما عملوا كمدربين وطيارين للطائرات بدون طيار التي أثبتت أهميتها في سقوط الفاشر وأثناء القتال في كردفان، المنطقة المتاخمة لدارفور.

 

قال لويس: "الحرب في السودان حربٌ ذات تقنية عالية، حيث تتسبب الأسلحة الموجهة والطائرات المسيّرة بعيدة المدى في سقوط ضحايا مدنيين يومياً. وتتطلب هذه الأسلحة مساعدة خارجية لتشغيلها. ونعلم أن عملية المرتزقة الكولومبيين كانت عنصرًا رئيسًا في هذه المساعدة الخارجية".

 

وأضاف أن تورط أفراد خاضعين للعقوبات في شركة بلندن يؤكد مخاوف أوسع نطاقًا بشأن عدم وجود فحوصات صارمة يتم إجراؤها عند تأسيس الشركات.

 

وأشار إلى "أن امتلاك شركة بريطانية كهذه بمثابة جواز سفر للمجرمين لممارسة الأعمال التجارية مع نظرائهم الشرعيين. ولا يزال من الصعب في معظم الحالات الاشتراك في نادٍ رياضي أكثر من تأسيس شركة بريطانية".

 

وتابع: "ونتيجة لذلك، هناك تاريخ طويل ومعروف جيدًا لشركات وهمية بريطانية تستخدم للتوسط في تهريب الأسلحة والمساعدات العسكرية إلى جهات فاعلة خاضعة للحظر في السودان وجنوب السودان وليبيا وكوريا الشمالية - حتى إلى داعش".

 

وأضاف لويس أن القضية أثارت مخاوف بشأن ما تفعله الحكومة البريطانية لضمان عدم تورط الشركات البريطانية في عملية المرتزقة.

 

تورط الكولومبيين في الصراع بالسودان

 

وبرز تورط الكولومبيين في السودان لأول مرة العام الماضي، عندما كشف تحقيق أجرته صحيفة "لا سيلا فاسيا" التي تتخذ من بوجوتا مقرًا لها، عن التعاقد مع أكثر من 300 جندي سابق للقتال. وقد دفع هذا الكشف وزارة الخارجية الكولومبية إلى تقديم اعتذار.

 

وأكد أحد المرتزقة مؤخرًا لصحيفة "الجارديان" أنه قام بتدريب أطفال في السودان وقاتل في الفاشر .

 

وارتبطت الإمارات العربية المتحدة، التي اتُهمت منذ فترة طويلة بتسليح قوات الدعم السريع، أيضًا بتوظيف مرتزقة كولومبيين.

 

زعم تقرير صادر عن منظمة "سنتري" الاستقصائية الشهر الماضي أن رجال أعمال إماراتيين على صلة بمسؤول حكومي إماراتي رفيع المستوى يزودون قوات الدعم السريع بالكولومبيين. ونفت الإمارات هذه المزاعم بشكل قاطع.

 

وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية: "تدعو المملكة المتحدة إلى وضع حد فوري للفظائع، وحماية المدنيين، وإزالة العوائق التي تحول دون وصول المساعدات الإنسانية من قبل جميع أطراف النزاع".

 

وأضاف: "لقد فرضنا مؤخرًا عقوبات على قادة قوات الدعم السريع لدورهم في الفظائع التي ارتكبت في الفاشر".

https://www.theguardian.com/global-development/2025/dec/19/colombian-mercenaries-sudan-rsf-us-sanctions-recruited-uk-registered-firms-investigation