منذ أكثر من اثني عشر عامًا، لا يزال الشيخ عبد الحفيظ السيد محمد غزالي، إمام وخطيب مسجد الفتح برمسيس وكبير أئمة وزارة الأوقاف سابقًا، يقضي عقوبة السجن المؤبد داخل السجون، في واحدة من القضايا التي تحولت إلى رمز للجدل الحقوقي الواسع عقب أحداث أغسطس 2013، وسط تساؤلات متزايدة حول مسار العدالة، وحدود العقاب، وحقوق كبار السن داخل أماكن الاحتجاز.
الشيخ عبد الحفيظ، المولود عام 1955، يبلغ اليوم قرابة السبعين عامًا، ويقضي حكمًا بالسجن المؤبد (25 عامًا) بعد أن أيدت محكمة النقض الحكم نهائيًا في مارس 2022، عقب سنوات طويلة من الحبس الاحتياطي والتنقل بين عدة سجون، أبرزها وادي النطرون ثم سجن المنيا شديد الحراسة، في ظروف وصفتها منظمات حقوقية بالقاسية وغير الإنسانية.
مسيرة دعوية طويلة قبل السجن
على مدار أكثر من ثلاثة عقود، عمل الشيخ عبد الحفيظ غزالي في وزارة الأوقاف، وتدرج في المناصب الدعوية حتى وصل إلى موقع كبير أئمة أوقاف القاهرة. خطب في كبرى مساجد العاصمة، وشارك في قوافل دعوية رسمية، واعتلى منابر حضرها مسؤولون ورؤساء في الدولة خلال فترات سابقة.
ولم يُعرف عن الشيخ أي نشاط سياسي أو انتماء حزبي، إذ ارتبط حضوره العام بعمله الدعوي الرسمي، إلى جانب أنشطة اجتماعية وخيرية، شملت تنظيم موائد الرحمن، والمشاركة في دعم مشروعات تعليمية وخدمية داخل مسجد الفتح وخارجه، ما جعله شخصية دينية معروفة لدى رواد المسجد وأهالي المنطقة.
أحداث مسجد الفتح.. يوم التحول المصيري
في 16 أغسطس 2013، تواجد الشيخ عبد الحفيظ داخل مسجد الفتح برمسيس في إطار عمله الرسمي، بالتزامن مع حصار أمني واسع للمسجد، الذي لجأ إليه مصابون ومدنيون فارّون من محيط الأحداث الدامية آنذاك.
وبحسب شهادات متعددة، اقتصر دور الشيخ خلال تلك الساعات على محاولة إنقاذ الأرواح، واستقبال المصابين، والتعامل مع الجثامين التي نُقلت إلى داخل المسجد، إلى جانب محاولات للتواصل مع قيادات أمنية وعسكرية لرفع الحصار وتسهيل خروج الموجودين، دون استجابة.
وخلال بث مباشر جرى تداوله في ذلك الوقت، نفى الشيخ بشكل قاطع استخدام المسجد أو مئذنته في إطلاق النار، مؤكدًا أن باب المئذنة يقع خارج نطاق المسجد وكان خاضعًا لسيطرة قوات الأمن.
القبض والمحاكمة الجماعية
في 17 أغسطس 2013، ألقي القبض على الشيخ عبد الحفيظ ضمن من جرى اعتقالهم من داخل المسجد، وأحيل لاحقًا إلى محاكمة جماعية ضمت مئات المتهمين في قضية عُرفت إعلاميًا بأحداث مسجد الفتح.
وفي سبتمبر 2017، صدر حكم بالسجن المؤبد بحقه، قبل أن يُؤيد الحكم بشكل نهائي في عام 2022، رغم ما تؤكده أسرته ومنظمات حقوقية من غياب أي أدلة تثبت تورطه في أعمال عنف أو تحريض أو حيازة سلاح.
ضغوط وشهادات زور
تفيد شهادات موثقة بأن الشيخ تعرض داخل محبسه لضغوط مباشرة لإجباره على الإدلاء بشهادة زور تتماشى مع رواية أمنية محددة حول أحداث المسجد، مقابل وعود بالإفراج عنه وتقديم مغريات مالية كبيرة. إلا أن الشيخ، وفق تلك الشهادات، رفض الانصياع بشكل قاطع.
عقب هذا الرفض، بدأت – بحسب المصادر الحقوقية – مرحلة جديدة من التنكيل، تمثلت في تشديد ظروف احتجازه وتعرضه لسلسلة من الانتهاكات.
سجل الانتهاكات داخل السجن
خلال سنوات احتجازه، تعرض الشيخ عبد الحفيظ غزالي لانتهاكات جسيمة، من بينها:
- الاعتداء الجسدي والصعق بالكهرباء.
- حبسه مع سجناء جنائيين في ظروف غير ملائمة.
- منعه من التريض لفترات طويلة.
- مصادرة ملابسه وأدويته خلال حملات “تجريد”.
- التضييق الشديد على الزيارات العائلية.
- نقله المتكرر إلى سجون بعيدة عن محل إقامة أسرته، بما يزيد من معاناتها.
تدهور صحي خطير
يعاني الشيخ حاليًا من تدهور صحي ملحوظ، يشمل:
- مشكلات حادة في الجهاز التنفسي.
- نوبات إغماء متكررة.
- تساقط معظم أسنانه.
- عودة الفتاق بعد رفض السماح بإجراء عملية جراحية ضرورية خارج السجن.
ورغم تقدمه في العمر وخطورة حالته الصحية، لم يحصل الشيخ على رعاية طبية كافية أو فحوص دورية منتظمة، الأمر الذي تعتبره منظمات حقوقية تهديدًا مباشرًا لحياته.
معاناة الأسرة الممتدة
لم تقتصر تبعات القضية على الشيخ وحده، إذ تشير التقارير إلى أن:
- أحد أبنائه تعرض للاعتقال لعدة سنوات في إطار الضغط عليه.
- صودرت ممتلكات الأسرة.
- أُوقف معاشه بالكامل.
- تُركت الأسرة في أوضاع معيشية بالغة الصعوبة، دون مصدر دخل ثابت.
مطالب حقوقية عاجلة
تؤكد منظمة عدالة لحقوق الإنسان أن استمرار احتجاز الشيخ عبد الحفيظ غزالي يمثل:
- انتهاكًا صارخًا لحقه في الحرية والمحاكمة العادلة.
- مخالفة واضحة لقواعد نيلسون مانديلا بشأن معاملة السجناء، خصوصًا كبار السن.
- عقوبة قاسية وغير إنسانية بالنظر إلى عمره ووضعه الصحي المتدهور.
وطالبت المنظمة بـ:
- الإفراج الفوري عنه لأسباب إنسانية وصحية.
- فتح تحقيق مستقل وشفاف في وقائع التعذيب وسوء المعاملة التي تعرض لها.
- تمكينه من الحصول على رعاية طبية متخصصة خارج السجن دون أي تأخير.

