في حلقة جديدة من مسلسل "بيع أصول الدولة" لسداد فاتورة الديون المتضخمة، كشفت مصادر مطلعة أن نظام عبد الفتاح السيسي وصل إلى مراحل نهائية في مفاوضات مع مستثمرين كويتيين للتنازل عن واحدة من أجمل بقاع مصر الطبيعية، وهي منطقة "رأس بناس" على ساحل البحر الأحمر، بالإضافة إلى أراضٍ مميزة على كورنيش النيل بالقاهرة، مقابل تحويل ودائع كويتية بالبنك المركزي المصري قيمتها 4 مليارات دولار إلى استثمارات.

 

الصفقة، التي يتم تسويقها تحت لافتة "التنمية السياحية"، تمثل في جوهرها تفريطاً في أصول استراتيجية نادرة لا تعوض، وتؤكد استمرار نهج النظام في استبدال السيادة الاقتصادية بحلول مالية مؤقتة، حيث يتحول "التراب الوطني" إلى عملة سداد لودائع وقروض استُهلكت في مشاريع لم تدر عائداً حقيقياً. وبينما تتحدث الحكومة عن تحويل المنطقة إلى "مقصد عالمي" على غرار صفقة "رأس الحكمة"، يرى مراقبون أن ما يحدث هو عملية "تسييل" ممنهجة لمقدرات الأجيال القادمة، تُباع فيها الشواطئ البكر وأراضي وسط البلد التاريخية لسد عجز لا ينتهي.

 

الخطورة لا تكمن فقط في البيع، بل في المنطق الذي يحكم الدولة: كل أزمة مالية يتم حلها ببيع قطعة من الأرض، في دوامة لا يبدو أن لها نهاية، خاصة مع تلميحات المصادر بأن "شهية البيع" ستمتد لتشمل مقار الوزارات التاريخية في وسط القاهرة، ليصبح قلب العاصمة هو الآخر معروضاً في مزاد الديون.

 

"رأس بناس".. بيع "الجنة البكر" بملياري دولار

 

جوهر الصفقة الحالية يتركز حول منطقة "رأس بناس"، وهي شبه جزيرة تمتد داخل البحر الأحمر بمساحة تقارب 174 مليون متر مربع، وتتميز بشواطئها البكر وشعابها المرجانية النادرة التي تعد من الأفضل عالمياً. هذه "الجوهرة" التي ظلت لعقود محمية طبيعية ومنطقة استراتيجية، باتت الآن معروضة على طاولة المفاوضات لتقييمها بنحو ملياري دولار فقط، في إطار تسوية جزء من الوديعة الكويتية.

 

المخطط يستهدف تحويل المنطقة إلى فنادق وقرى سياحية وشاليهات، وهو ما يعني عملياً خصخصة مساحات شاسعة من الساحل وحرمان المواطن العادي من الوصول إليها، تماماً كما حدث في الساحل الشمالي. الأخطر هو أن هذه الصفقة تأتي في سياق "مبادلة الديون بالأصول"، وهو ما يعني أن الدولة تتنازل عن ملكية الأرض ليس لجذب "كاش" جديد يدخل الخزينة، بل لشطب دين قديم (وديعة الـ 4 مليارات دولار) عجزت عن سداده نقداً. هذا النمط من الصفقات لا يحل الأزمة الاقتصادية، بل يؤجل الانفجار فقط، عبر التخلص من الأصول الثمينة مقابل ديون كان يفترض أن تُسدد من عوائد الإنتاج لا من بيع الأرض.

 

كورنيش النيل ووسط البلد.. "القاهرة التاريخية" في المزاد

 

لم تكتفِ الحكومة ببيع السواحل، بل امتدت يد "التسييل" إلى قلب العاصمة. المصادر كشفت عن تطلع الكويت للاستحواذ على أراضٍ مميزة على كورنيش النيل، في المنطقة الممتدة من روض الفرج وحتى التبين بحلوان، بقيمة مليار دولار، لبناء فنادق ومشاريع سياحية. هذه الأراضي التي تقوم الحكومة بـ"حصرها" حالياً، تمثل المتنفس الأخير لسكان القاهرة، وبيعها لمستثمرين يعني تحويل واجهة النيل إلى "كانتونات" مغلقة للأثرياء والسياح.

 

الأكثر إثارة للقلق هو ما كشفه المصدر عن احتمالية دخول الكويت في منافسة لشراء مقار الوزارات التاريخية في منطقة وسط البلد ("داون تاون" القاهرة الخديوية)، والتي ستقوم الحكومة بطرحها عبر صندوق مصر السيادي بعد انتقال الوزارات للعاصمة الإدارية. تحويل هذه المباني ذات القيمة المعمارية والتاريخية الفريدة إلى فنادق ومشاريع تجارية يثير مخاوف جدية حول طمس هوية وسط البلد وتحويلها إلى مجرد "سلعة عقارية"، في وقت كان يجب أن تُدار فيه كمنطقة تراثية ثقافية مفتوحة للمصريين.

 

سياسة "إطفاء الحرائق".. ديون الخمسين عاماً تباع اليوم

 

تأتي هذه التحركات المتسارعة للبيع في وقت يحاول فيه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ترويج سردية "النزول بالدين"، زاعماً أن الدولة تعمل للوصول لمعدلات دين غير مسبوقة منذ 50 عاماً. لكن المفارقة الصارخة هي أن هذا "النزول" لا يتحقق عبر تعظيم الإنتاج والتصدير، بل عبر التنازل عن الأصول السيادية. فحديث الحكومة عن "هيكلة الديون" و"مبادلة الديون بالاستثمار" هو الوجه الآخر لعملية بيع قسري تمليها الضرورة وتفرضها التزامات السداد المستحقة.

 

 

التقرير الرسمي للبنك المركزي يكشف أن الوديعة الكويتية البالغة 4 مليارات دولار كانت مستحقة السداد هذا العام، وتم تأجيل جزء منها لعام 2026. هذا التأجيل لم يكن مجانياً، بل كان مشروطاً بفتح الباب أمام الاستحواذ على الأصول. وبالتالي، فإن ما يسميه النظام "استثماراً" هو في حقيقته عملية "مقاصة" للتخلص من عبء الدين عبر التضحية بملكيات عامة. ومع استمرار هذا النهج حتى عام 2027 كما تشير المصادر، يبرز السؤال المرعب: ماذا سيتبقى من أصول مصر لبيعه عندما تستحق الديون التالية؟ وهل ستتحول مصر في النهاية إلى دولة "مستأجرة" لأراضيها وشواطئها من الدائنين؟