تواصل الجدل في "إسرائيل" حول التداعيات المحتملة لصفقة تصدير الغاز إلى مصر، بقيمة 35 مليار دولار حتى عام 2040.

 

ويقول خبراء "إسرائيليون" إن الصفقة "التاريخية" تنطوي على خطر حدوث نقص في الغاز الطبيعي في السوق المحلية في غضون عقد من الزمان تقريبًا، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الكهرباء.

 

15 بالمائة من احتياطيات الغاز

 

وبموجب أكبر صفقة تصدير في تاريخ مصر، سيتم تزويدها بـ 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي حتى عام 2040، وهو ما يمثل نحو 15 بالمائة من احتياطيات الغاز المؤكدة في "إسرائيل"، أي ما يعادل استهلاكها المحلي لنحو عقد من الزمن.

 

بينما ستحصل "إسرائيل" على نحو نصف عائدات البيع، سيذهب الباقي إلى الشركات التي تمتلك حقوق تطوير حقل ليفياثان البحري الإسرائيلي، أحد أكبر اكتشافات الغاز في المياه العميقة في العالم. 

 

ويضم هذا التحالف شركة نيوميد إنرجي، المعروفة سابقًا باسم ديليك دريلينج (التابعة لمجموعة ديليك المملوكة لإسحاق تشوفا)، والتي تمتلك حصة 45.3 بالمائة، وشركة شيفرون الأمريكية العملاقة للطاقة، التي تمتلك حصة 39.66 بالمائة، وشركة ريشيو أويل، التي تمتلك حصة 15 بالمائة.

 

وفي حين يروّج المؤيدون للصفقة باعتبارها مكسبًا دبلوماسيًا واقتصاديًا هائلاً، حيث يتم استبدال الموارد الطبيعية بأموال طائلة وزيادة الاستقرار الإقليمي، يرى معارضون أن ذلك يرقى إلى بيع احتياطيات الطاقة في "إسرائيل"، مما يفيد حفنة من الأثرياء بينما يضع البلاد على طريق فقدان استقلالها في مجال الطاقة عاجلاً.

 

تقليص الاحتياطات من الغاز

 

وصرح أرييل باز-ساويكي، رئيس قسم الأبحاث في جماعة الضغط 99 - جماعة ضغط شعبية - لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل": "تتمتع إسرائيل حاليًا بالاستقلال في مجال الطاقة فيما يتعلق بسوق الكهرباء، مما يعني أننا لسنا معتمدين على أي دولة أخرى في استهلاكنا وإمداداتنا من الكهرباء".


وأضاف أن الاتفاق يعني أن حقل ليفياثان سيضاعف معدل إنتاجه وسيُستنزف بوتيرة أسرع، مما سيقلص الفترة التي تبقى فيها "إسرائيل" مكتفية ذاتيًا في مجال الطاقة.

 

وتابب باز-ساويكي: "ما سيحدث على الأرجح لإسرائيل هو ما حدث لدول أخرى كانت في الماضي مستقلة في مجال الطاقة، وبسبب سياسات التصدير الليبرالية، أصبحت تعتمد على واردات الغاز الطبيعي باهظة الثمن مثل هولندا أو المملكة المتحدة".

 

ويُنتج أكثر من 70 بالماء من كهرباء "إسرائيل" حاليًا من الغاز الطبيعي المحلي. إلا أنه وبمجرد نضوب حقول الغاز، ستضطر "إسرائيل" إلى البدء في الشراء من مصادر أخرى، ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار.

 

ووفقًا لباز-ساويكي، فإن استنزاف احتياطيات الغاز الطبيعي يعني أن المستهلكين يمكن أن يتوقعوا في نهاية المطاف زيادة بنسبة 25 بالمائة في فواتير الكهرباء، بافتراض أن الدولة لا تمضي قدمًا في خططها لزيادة استخدامها لمصادر الطاقة المتجددة.

 

وقال جابرييل ميتشل، وهو زميل في مجال السياسات في معهد ميتفيم للأبحاث، إنه في ظل الاتفاق مع مصر، قد يكون ذلك اليوم على بعد عقد واحد فقط.

 

وأضاف: "إن مسار وتوقع موعد حدوث ذروة استهلاك الغاز سيحدث في وقت أقرب مما كان متوقعًا في الأصل حوالي عام 2045... نحن ننظر الآن إلى عام 2035 على الأرجح".

 

وأشار إلى أنه مع التوقعات بأن يتجاوز الطلب المحلي العرض المحلي في وقت أبكر مما كان متوقعًا، سيتم تحفيز منتجي الغاز بشكل أساسي على فرض أسعار أعلى عند التفاوض على عقودهم.

 

وتابع ميتشل: "سيكون لهذا تأثير واضح للغاية على تكلفة المعيشة بالنسبة للجمهور الإسرائيلي لأن الجميع يستهلك الكهرباء".

 

ثروات "إسرائيل من الغاز الطبيعي 

 

واكتشفت إسرائيل لأول مرة حقولاً ضخمة من الغاز الطبيعي قبالة سواحلها على البحر الأبيض المتوسط في العقد الأول من الألفية الثانية، متحولةً بذلك من مستورد الطاقة وتعاني من نقص الموارد إلى قوة اقتصادية هائلة في مجال الغاز الطبيعي، تمتلك ما يكفي لتلبية احتياجاتها المحلية والتصدير إلى الخارج. 

 

وقد ساهمت هذه الاكتشافات في حماية "إسرائيل" من أسوأ آثار أزمة الطاقة التي أشعلتها روسيا بغزوها لأوكرانيا، كما استُخدمت كورقة ضغط محتملة في المفاوضات الجيوسياسية.

 

وبدأ تدفق الغاز من حقل تامار، الذي يحتوي على حوالي 280 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، إلى السوق المحلية في "إسرائيل" في عام 2013، تبعه في عام 2019 حقل ليفياثان، الذي يُعتقد أنه يحتوي على ضعف كمية الوقود الأحفوري.

 

وفي عام 2020، بدأ الشركاء في حقل ليفياثان بتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر كجزء من صفقة تبلغ 60 مليار متر مكعب، والتي من المتوقع أن تستمر حتى أوائل ثلاثينيات القرن الحالي.

 

وقال ميتشل، وهو أيضًا زميل زائر في صندوق مارشال الألماني: "يجب على إسرائيل أن تتقبل حقيقة أن إمداداتها من الغاز تتضاءل بينما يزداد الطلب عليه، ما يعني أن على البلاد البدء بالتخطيط لما بعد ذروة إنتاج الغاز، وكيفية ضمان ألا يؤثر هذا التحول سلبًا على نموها الاقتصادي وأمنها في مجال الطاقة". وأضاف: "لن ينخفض الطلب المصري، بل سيزداد خلال العقد المقبل".

 

وتابع ميتشل: "سيتعين على إسرائيل أن تجد التوازن الصحيح، مع الأخذ في الاعتبار جميع العوامل المؤثرة، والمصالح الجيوسياسية، وكذلك مصالحها الداخلية لضمان حصول الإسرائيليين على الكهرباء بأسعار معقولة".

 

البحث عن حقول غاز جديدة 


ويبرر نتنياهو الصفقة مع مصر بالاعتماد على فرضية أن صفقة التصدير الضخمة ستعزز مكانة "إسرائيل" كقوة عظمى إقليمية في مجال الطاقة، وستجذب شركات أخرى للبحث عن خزانات جديدة للغاز الطبيعي في المياه المحلية واكتشافها، مما سيساعد على مواكبة احتياجات الاستهلاك المحلي في المستقبل.

 

لكن باز-ساويكي أشار إلى أنه ليس الأمر كما لو أن المنقبين لم يبحثوا عن فرص مربحة قبالة سواحل "إسرائيل" منذ الاكتشاف الكبير الأخير.

 

وقال: "لقد مرت خمسة عشر عامًا منذ آخر اكتشاف كبير في المياه الإسرائيلية، على الرغم من أنه خلال هذه الفترة بأكملها تم تشجيع الاستكشاف ومنح مجموعة من الامتيازات لرواد الأعمال".

 

وأوضح أن هناك منطقًا وراء أمل الحكومة في أن يشجع الاتفاق الموسع مع مصر على الاستكشاف المستقبلي، والمزيد من الاستثمار، وبالتالي، سيوفر المزيد من الأموال لدافعي الضرائب. وتابع: "الأمر مليء بالافتراضات".

 

وحذر الجيولوجي يوسي لانجوتسكي، الذي اكتشف حقل غاز تمار في عام 2009 منذ فترة طويلة من أن "إسرائيل" ترتكب خطأً من خلال وضع الصادرات قبل تأمين احتياطيات الغاز الاستراتيجية لـ "إسرائيل"؟ بتقدير أن هناك فرصة ضئيلة للعثور على المزيد من الاكتشافات بحجم حقلي تمار أو ليفياثان.

 

قال باز-سافيكي: "بالنظر إلى هذه التوقعات المتشائمة بشأن إيجاد المزيد من الغاز، فإن الخطوة الصحيحة في هذه المرحلة هي توخي الحذر، والاحتفاظ بكميات أكبر من الغاز للسوق الإسرائيلية، ولكن لسوء الحظ، كان هناك ضغط كبير من شركات الغاز والإدارة الأمريكية للموافقة على هذه الصفقة". 

 

وأضاف: "الخطوة الصحيحة فيما يتعلق بأمن الطاقة هي تنفيذ توسعة خط أنابيب ليفياثان أمام عميل رئيس في إسرائيل - على سبيل المثال، شركة الكهرباء الإسرائيلية - وتوقيع اتفاقية معه لمدة 40 عامًا لضمان تلبية الطلب المحلي".

 

لكنه أوضح أن الشركات الخاصة التي تستخرج الغاز من الأرض تفضل سوق التصدير، الذي يحقق هامش ربح أعلى لاستثماراتها.

 

مأزق "إسرائيل" 

 

قال ميتشل: "إسرائيل عالقة في مأزق حيث إنها مرتبطة بخيار التصدير الوحيد إلى مصر، وهي مرتبطة بأطراف تجارية مهتمة فقط بمتابعة هذا الخيار الوحيد، وهذا يجعل من الصعب للغاية على إسرائيل التفاوض بفعالية لتقليل الصادرات، حتى في السنوات القادمة".

 

وأكد الخبراء على ضرورة التعامل بحذر مع وعود نتنياهو بتحقيق ثروات من الضرائب وعائدات الغاز التي تتدفق إلى خزائن الحكومة "الإسرائيلية".

 

وصرح باز-ساويكي: "لقد علمنا العقد الماضي أنه لا يمكن الوثوق بوعود فرض ضرائب مستقبلية على مبيعات الغاز، في عام 2015، قدرت وزارة المالية أن أكثر من 5 مليارات دولار من احتياطيات الغاز ستدخل إلى صندوق الثروة السيادية بحلول عام 2024؛ وفي الواقع، يبلغ الرقم حوالي 1.5 مليار دولار، أي أقل من ثلث ما تم وعد به".

 

وتُستمد غالبية إيرادات حقوق استخراج الغاز من مبيعات التصدير، وبخاصة إلى مصر، وبدرجة أقل إلى الأردن. وقد أُنشئ صندوق الثروة السيادية "الإسرائيلي"، لاستثمار الأرباح المتوقعة من اكتشاف الغاز الطبيعي والموارد الطبيعية الأخرى.

 

وقال ميتشل إنه بدون سياسة طويلة الأجل، قد تجد "إسرائيل" نفسها بحلول العقد المقبل في وضع تسعى فيه جاهدة لتفسير كيفية نهب مواردها الطبيعية، بينما تضطر إلى استيراد الغاز الطبيعي باهظ الثمن لتلبية احتياجاتها المحلية من الطاقة.

 

وأشار إلى أن عقدًا من الزمن هو فترة طويلة، ويمكن للحكومة أن تبدأ بالفعل في تطوير البنية التحتية اللازمة للتحول بعيدًا عن الغاز، وهو مورد محدود، ونحو المزيد من مصادر الطاقة المتجددة.

 

وأضاف ميتشل: "من الصعب تجاهل المكاسب قصيرة الأجل من هذه الصفقة، ولكن بشرط أن تتمكن إسرائيل من وضع استراتيجية شاملة طويلة الأجل تعالج احتياجات البلاد المستقبلية من الطاقة، وتعالج مدى تأثرها بمطالب مجموعة صغيرة من المستثمرين وطريق تصدير رئيس واحد، وهو مصر. إسرائيل ليست في منطقة خطرة، لكن كلما طال انتظار الحكومة، زادت التكاليف".


https://www.timesofisrael.com/as-major-egypt-gas-deal-burns-through-reserves-public-will-end-up-paying-the-price/