في حلقة جديدة من مسلسل "تطفيش الاستثمار" وإرباك الأسواق، استيقظ حي مدينة نصر وأحياء أخرى بالقاهرة أمس على وقع حملات أمنية ومحلية شرسة استهدفت إغلاق وتشميع معارض السيارات الموجودة في المناطق السكنية. الحملة التي شنتها محافظة القاهرة، بدعوى تنفيذ قرارات تنظيمية، لم تكن مجرد إجراء إداري، بل تحولت إلى "كارثة اقتصادية" تهدد بقطع أرزاق آلاف الأسر، وتعميق ركود سوق السيارات الذي يعاني أصلاً من الاحتضار.

 

أصحاب المعارض، الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها في مواجهة "البلدوزر" الحكومي، اعتبروا القرار بمثابة "خراب بيوت" وتصفية حسابات غير مبررة مع قطاع حيوي، متسائلين عن سر توقيت هذه الهجمة في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وغياب أي بدائل واقعية للانتقال، مما يؤكد أن حكومة الانقلاب لا تتقن سوى لغة الهدم والجباية، دون أي اعتبار للأبعاد الاجتماعية أو الاقتصادية لقراراتها العشوائية.
تشريد العمالة وضرب الاستقرار: الفاتورة تدفعها الأسر

 

لم يراعِ قرار الإغلاق حجم العمالة الهائلة التي تعتمد في قوت يومها على هذا القطاع. المستشار أسامة أبو المجد، رئيس رابطة تجار السيارات، حذر بلهجة شديدة من العواقب الوخيمة لهذه الحملات، مؤكداً أن "ما يحدث هو عملية تشريد ممنهجة لآلاف الموظفين والعمال في وقت ترتفع فيه معدلات البطالة والفقر. الحكومة التي تتشدق بتوطين الصناعة ودعم القطاع الخاص هي نفسها التي تغلق قنوات البيع والتسويق الرئيسية. كيف ستصرف المصانع المحلية إنتاجها إذا أغلقتم المعارض؟ هذا القرار هو رصاصة في قدم الاقتصاد الوطني، وسيدفع ثمنه الجميع من ركود وتضخم."

 

ويضيف أبو المجد أن العشوائية في التنفيذ، واستهداف معارض مرخصة وملتزمة بسداد الرسوم، يكشف عن "تخبط إداري" وفشل في التخطيط، مطالباً بوقف فوري لهذه "المذبحة" قبل أن تتحول إلى أزمة اجتماعية لا يمكن السيطرة عليها.

 

استهداف "المرخصين" وترك "العشوائيات": ازدواجية المعايير

 

المثير للسخرية والمرارة في آن واحد، هو أن الحملة استهدفت معارض لها كيان قانوني وتسدد ضرائب ورسوم انتفاع، بينما تركت "مافيا" التعديات الحقيقية من كافيهات وباعة جائلين يسرحون ويمرحون.

 

وفي هذا الصدد، يؤكد منتصر زيتون، عضو الشعبة العامة للسيارات، أن "القرار ظالم وغير مدروس. أغلب المعارض التي تم إغلاقها لديها تراخيص سارية وتدفع للدولة ملايين الجنيهات. الحكومة تعاقب الملتزم وتترك المخالف. كان الأجدر بها توفير مدن سيارات بديلة ومجهزة بأسعار عادلة قبل أن تشهر سيف الإغلاق. ما يحدث هو إرباك متعمد للسوق سيؤدي لهروب رؤوس الأموال، فالتاجر الذي يشعر أن استثماراته مهددة في أي لحظة بقرار موظف، سيفضل تصفية أعماله والبحث عن بيئة آمنة."

 

ويرى زيتون أن الحكومة بذلك تخسر موارد ضريبية هامة، وتعمق من أزمة السيولة في السوق، بدلاً من البحث عن حلول توافقية تضمن حق الدولة وحق المستثمر.

 

توطين الصناعة "على الورق".. والواقع "تشميع"

 

تتناقض هذه الحملات بشكل صارخ مع الشعارات الحكومية حول "توطين صناعة السيارات". فكيف يمكن تشجيع صناعة محلية بينما يتم تدمير شبكة التوزيع الخاصة بها؟

 

يعلق المهندس علاء السبع، عضو الشعبة العامة للسيارات، على هذا التناقض قائلاً: "صناعة السيارات هي سلسلة مترابطة، وحلقة المعارض هي الواجهة التي تربط المصنع بالمستهلك. ضرب هذه الحلقة يعني شللاً في المنظومة بأكملها. القرارات الفوقية التي لا تراعي طبيعة السوق تؤدي لنتائج عكسية. إذا أردتم تنظيم الشوارع، فهناك ألف طريقة غير الإغلاق القسري الذي يدمر بيوت الناس. نحن أمام حكومة تفكر بعقلية 'الجباية' وليس 'التنمية'، وترى في التاجر عدواً يجب تحطيمه وليس شريكاً يجب دعمه."

 

ويحذر عمر بلبع، رئيس شعبة السيارات بالغرفة التجارية بالجيزة، من أن "توقيت هذه الحملات كارثي، حيث يعاني السوق من ركود غير مسبوق. بدلاً من تقديم حوافز وتسهيلات لتحريك المياه الراكدة، تأتي الحكومة لتطلق رصاصة الرحمة على التجار. هذا التصرف سيؤدي حتماً لموجة جديدة من ارتفاع الأسعار نتيجة قلة المعروض وزيادة المخاطر، وسيدفع المستهلك الثمن في النهاية."

 

في المحصلة، تثبت حكومة الانقلاب يوماً بعد يوم أنها منفصلة عن الواقع، وتدير الملفات الاقتصادية الحساسة بمنطق "البلطجة الإدارية". فبينما ينتظر التجار والمواطنون حلولاً للأزمات، تأتيهم الحكومة بمزيد من الأزمات، مغلقة الأبواب في وجوههم، ومشمعة أرزاقهم بالشمع الأحمر، في مشهد عبثي يؤكد أن "الخراب" هو العنوان الأبرز لهذه المرحلة.