لم يكن قرار وزارة التربية والتعليم باستبعاد الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين وأخصائيي المكتبات والتكنولوجيا والصحافة من «حافز التدريس» مجرد تفصيلة إدارية، بل رسالة قاسية من حكومة الانقلاب بأن من يعمل في قلب المدرسة خارج السبورة لا يستحق الإنصاف. وبينما تُسوِّق الوزارة الحافز باعتباره خطوة لتحسين أوضاع العاملين، جاء الاستبعاد ليحوّل الحافز إلى أداة فرز وتمييز داخل المؤسسة التعليمية، ويُشعل غضبًا واسعًا دفع الأخصائيين لتشكيل مجموعات على مواقع التواصل وإرسال شكاوى لمجلس الوزراء.
الخطير في القرار أنه لا يستبعد أفرادًا هامشيين، بل يستبعد أدوارًا يومية تتعلق بحماية الطلاب نفسيًا واجتماعيًا، وضبط السلوك، ومواجهة العنف المدرسي، ومشكلات التسرب والإدمان، أي أنه يضرب «التربية» التي تزعم الوزارة أنها تضعها قبل التعليم. ومع حديث النقابة عن نحو 150 ألف أخصائي، تتحول المسألة إلى أزمة قطاع كامل يشعر أنه يُعاقَب لأنه يعمل في الظل لا تحت الأضواء.
حافز بألف.. وعدالة بصفر
بحسب ما جرى تداوله في أوساط الأخصائيين، قررت الوزارة صرف حافز تدريس للمعلمين بقيمة ألف جنيه مع استبعاد الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين وغيرهم من التخصصات المساندة. هذا الاستبعاد يفتح الباب لسؤال بسيط: كيف يُكافأ فريق ويُقصى فريق آخر يعمل داخل المدرسة ذاتها ويخضع عمليًا لضغوط يومية مماثلة وربما أشد، خصوصًا مع تصاعد الأزمات السلوكية والعنف والتنمر؟
نقابة الاجتماعيين اعتبرت القرار تجاهلًا للدور المحوري للأخصائيين في العملية التعليمية والتربوية، وحذّرت من نتائجه. وفي السياق نفسه، شدّد الدكتور عبدالحميد زيد، النقيب العام للاجتماعيين، على أن دور الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين لا يقل أهمية عن دور المعلمين، مؤكدًا تلقي النقابة شكاوى عديدة فور صدور قرار الحرمان.
ومن زاوية مهنية، يرى خبراء تربويون قريبون من نقابة المعلمين أن الحوافز يجب أن تُربط بوظائف المدرسة كمنظومة واحدة لا كجزر منفصلة، لأن الفصل بين التدريس والخدمات التربوية يعمّق الفشل بدل إصلاحه.
«هنشوفلهم حاجة حلوة».. إدارة بالأقوال لا بالقرارات
تقول نقابة الاجتماعيين إنها خاطبت رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير التعليم محمد عبداللطيف لإدراج الأخصائيين ضمن مستحقي الحافز أسوة بزملائهم، “تحقيقًا لمبادئ العدالة والمساواة” وضمانًا للحقوق التي كفلها الدستور. كما أشارت إلى أن النقابة خاطبت الوزير منذ شهر دون رد، بينما جاء تعليق الوزير في لقاء تلفزيوني بصيغة فضفاضة: «هنشوفلهم حاجه حلوة».
هذه الصيغة—من وجهة نظر نقابيين في نقابة المعلمين—تلخص عقلية الإدارة بالأقوال: وعود للاستهلاك، ثم قرارات تُتخذ من طرف واحد، ثم صمت مؤسسي يفتح الباب للغضب والانقسام داخل المدارس. فحين تتحول حقوق العاملين إلى “منح” تُصرف أو تُمنع وفق المزاج والضغط، يصبح المناخ المدرسي متوترًا، وتُضرب هيبة الإدارة، ويتحول التعاون اليومي بين المعلم والأخصائي إلى صراع مكتوم على “فتات” مالي.
رأي نقابي تعليمي إضافي: يرى أحد خبراء اللجان النوعية بنقابة المعلمين أن معالجة العجز التعليمي لا تكون بتوزيع “حوافز انتقائية” بل بتثبيت قواعد عادلة للحوافز تشمل كل من يعمل مباشرة مع الطالب داخل المدرسة، لأن الأخصائي جزء من “كادر المدرسة” لا ملحق يمكن الاستغناء عنه.
كادر المعلمين.. وحرمان «على الورق»
تستند نقابة الاجتماعيين إلى أن الأخصائيين مُدرجون ضمن كادر المعلمين وفقًا لقانون التعليم رقم 155 لسنة 2007 وتعديلاته، ما يجعل استبعادهم من حافز مرتبط بالمدرسة مثارًا للتساؤل حول الاتساق القانوني والمعياري. كما دعا زيد الأخصائيين إلى مواصلة الاتصالات والانتظار لما ستسفر عنه الجهود المبذولة لحل الأزمة، مؤكدًا أن الأخصائيين بمختلف تخصصاتهم “ليسوا أقل من المعلمين”.
وتحذر أصوات من داخل نقابة المعلمين من أن استمرار هذا النهج قد يدفع الأخصائيين إلى خفض الجهد أو ترك المدارس إلى أعمال أخرى، بما يضاعف عبء المعلم داخل الفصل ويحوّل المدرسة إلى مكان بلا شبكات دعم نفسي واجتماعي. كما يرى خبراء نقابيون أن الاستبعاد يُرسل إشارة سلبية للطلاب أنفسهم: أن خدمات الإرشاد والدعم “درجة ثانية”، وهو ما يناقض أي حديث رسمي عن مكافحة التنمر والعنف والتسرب.

