في مشهد يكشف حجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها مصر تحت حكم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، كشف السفير حداد الجوهري، مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية، أن عدد الجثامين التي جرى استعادتها من ليبيا وحدها منذ بداية عام 2025 تجاوز 400 جثمان.
الرقم المرعب لا يشمل المئات الآخرين الذين ابتلعتهم مياه البحر المتوسط دون أن يُعثر على جثامينهم، في حين يواصل النظام الحاكم الترويج لنجاحاته الاقتصادية الوهمية وسط انهيار معيشي غير مسبوق دفع الآلاف للمغامرة بحياتهم هربًا من جحيم الفقر.
الأطفال وقود "قوارب الموت".. 58% من المهاجرين قُصّر
أخطر ما في ملف الهجرة غير الشرعية من مصر أن الأطفال باتوا الوقود الأساسي لقوارب الموت.
كشفت اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة أن 58% من المهاجرين غير الشرعيين هم أطفال دون سن الـ18 عامًا، تتراوح أعمار معظمهم بين 10 و16 عامًا فقط.
وفي اعتراف صادم، قال السفير الجوهري إن 80% من قرارات الهجرة غير الشرعية لهؤلاء الأطفال يعود إلى الأسر نفسها، في إشارة واضحة إلى أن العائلات المصرية باتت تفضل المغامرة بحياة أطفالها على إبقائهم في بلد لا يوفر لهم الحد الأدنى من العيش الكريم.
حادثة غرق مركب قرب جزيرة كريت اليونانية في ديسمبر 2025 تكشف المأساة بوضوح: من بين 27 مصريًا كانوا على متن المركب، تراوحت أعمارهم بين 13 و18 عامًا فقط، ونجا منهم اثنان فقط بينما لقي 14 منهم حتفهم غرقًا.
هؤلاء الأطفال لم يختاروا المغامرة بحياتهم عبثًا، بل هربوا من واقع اقتصادي قاسٍ يجعل البقاء في مصر أشبه بالموت البطيء.
الانهيار الاقتصادي.. 30% تحت خط الفقر وتضخم يلتهم الدخول
الأرقام الرسمية نفسها تفضح حجم الكارثة الاقتصادية التي صنعها نظام السيسي.
اعترف رئيس وزراء السيسي الدكتور مصطفى مدبولي بأن 30% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر ، بينما كشف البنك الدولي أن معدل الفقر الوطني لمصر ارتفع فعليًا إلى 32.5% في عام 2022، ويُتوقع أن يكون أعلى حاليًا.
هذا يعني أن أكثر من 35 مليون مصري يعيشون في فقر مدقع لا يوفر لهم احتياجاتهم الأساسية.
ومعدلات التضخم الجنونية التي تعصف بمصر تفاقم المأساة يوميًا.
سجل معدل التضخم العام 16.8% في مايو 2025، مما يعني أن الأسعار تتضاعف بوتيرة سريعة تلتهم ما تبقى من دخول المصريين.
معدل البطالة الرسمي البالغ 6.4% يخفي حقيقة أكثر قسوة: البطالة بين النساء تصل إلى 15%، وعدد العاطلين عن العمل يبلغ 2.2 مليون مصري، معظمهم من الشباب الذين يشكلون الشريحة الأكبر من المهاجرين غير الشرعيين.
سياسات تعويم الجنيه المتكررة التي فرضها السيسي بضغط من صندوق النقد الدولي أدت إلى انهيار القوة الشرائية للمواطنين.
ارتفع معدل الفقر في مصر بشكل حاد خلال الفترة 2015-2017 بسبب الارتفاع الجنوني في معدلات التضخم عقب تخفيض قيمة الجنيه في عام 2016، ولم تتعافَ الأسر المصرية من تلك الصدمة حتى جاءت موجات تعويم جديدة لتزيد الطين بلة.
حصاد الموت الأوروبي.. آلاف الضحايا في عام واحد
البحر المتوسط تحول إلى مقبرة جماعية للمصريين الهاربين من جحيم السيسي الاقتصادي.
في عام واحد فقط، تم تسجيل غرق 1773 مهاجرًا في المتوسط، كان من بينهم 151 طفلًا.
وعلى مستوى أوسع، أفاد تقرير منظمة "كاميناندو فرونتيراس" الحقوقية بأن أكثر من 3090 مهاجرًا لقوا حتفهم خلال محاولتهم الوصول إلى إسبانيا بحرًا منذ مطلع عام 2025 وحتى منتصف ديسمبر، من بينهم 192 امرأة و437 طفلًا، والمصريون يشكلون جزءًا كبيرًا من هذه الأرقام المروعة.
تقديرات مسؤولين مصريين تشير إلى أن هناك ما يقرب من 14,850 حالة سنويًا تحاول الهجرة غير الشرعية عبر الدول العربية، وكل مركب صيد مستخدم فيها يستقله ما بين 200 إلى 300 شخص في رحلات تستغرق حتى 12 يومًا في عرض البحر دون ضمانات للسلامة.
الطريق الأطلنطي من شمال أفريقيا إلى جزر الكناري لا يزال الأكثر فتكًا، حيث سجل 1906 وفيات خلال عام 2025، بينما قُتل 1037 مهاجرًا على طريق الجزائر-جزر البليار.
السلطات المصرية تحاول إلقاء اللوم على "عصابات التهريب" و"دوافع أسرية"، لكنها تتجاهل عمدًا السبب الجذري: الانهيار الاقتصادي المريع الذي حوّل مصر إلى سجن كبير يفر منه من يستطيع حتى لو كان الثمن حياته.
ما دام النظام مستمرًا في سياساته الاقتصادية الكارثية التي أغرقت الملايين في الفقر، فإن قوارب الموت ستظل تبحر محملة بأحلام وأجساد الشباب المصري الذي لم يعد يجد أمامه سوى خيارين: الموت البطيء في مصر السيسي، أو المغامرة بالموت السريع غرقًا بحثًا عن حياة كريمة

