تواجه مصانع الدرفلة في مصر توقفًا شبه كامل عن الإنتاج نتيجة أزمة حادة في توريد خام البليت، في ظل تقاعس حكومي واضح عن معالجة الأزمة رغم تقديم عشرات المذكرات والاستغاثات من أصحاب المصانع. فبعد فرض وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية رسوم إغراق مؤقتة بنسبة 16.2% على واردات البليت في سبتمبر الماضي، ارتفعت تكلفة الطن المستورد من 28 ألف جنيه إلى 35 ألف جنيه، فيما تراجع توريد الخام المحلي من المصانع المتكاملة بشكل مريب، ما يشير إلى احتكار واضح وغياب تام للرقابة الحكومية.
المصانع التي توظف عشرات الآلاف من العمال تواجه شبح الإغلاق، والحكومة صامتة. المذكرات المرفوعة لوزارة الصناعة ومجلس الوزراء تُقابل بالتجاهل التام، في وقت تصر فيه بعض الجهات على نفي الأزمة رغم الأدلة الدامغة. هذا الفشل الحكومي المتعمد يكشف حجم الفوضى في إدارة القطاع الصناعي، ويؤكد أن المصالح الضيقة للمصانع الكبرى تأتي على حساب مئات المصانع الصغيرة والمتوسطة.
احتكار المصانع المتكاملة وصمت حكومي مريب
أكد رئيس مجموعة العشري للصلب أيمن العشري أن مصانع الدرفلة تقدمت بعدد من المذكرات إلى الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الصناعة ومجلس الوزراء، للمطالبة بتدخل عاجل وتوفير كميات من البليت أو وضع آلية عادلة للتسعير، إلا أن هذه المطالب لم تلقَ أي استجابة حتى الآن. وأوضح أن ما يحدث داخل القطاع يشير إلى أنه يصب في مصلحة المصانع المتكاملة على حساب مصانع الدرفلة، دون معالجة حقيقية لأزمة نقص الخام.
نائب رئيس شركة الجارحي للصلب أشرف الجارحي كشف أن مصانع الدرفلة تعاني من توقف شبه كامل في الإنتاج، والكميات التي حصلت عليها بعض المصانع في أغسطس الماضي كانت 5 آلاف طن فقط، وهي كميات لا تغطي سوى فترات تشغيل قصيرة لا تتجاوز شهرًا أو شهرين. وأضاف أن الوضع الحالي يعكس نوعًا من الاحتكار من جانب المصانع المتكاملة، دون تدخل فعّال لتنظيم السوق.
مدير غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية محمد حنفي أوضح أن الطاقات الإنتاجية للمصانع المحلية تصل لنحو 12 مليون طن، لكنها تكتفي بإنتاج أكثر من نصف طاقتها الإنتاجية بقليل. هذا التراجع المتعمد في الإنتاج، رغم وجود الطاقات، يؤكد وجود سياسة احتكارية واضحة تحميها الحكومة بصمتها.
رسوم الإغراق: قرار حكومي يخنق الصناعة
فرضت الحكومة في سبتمبر الماضي رسوم إغراق مؤقتة بنسبة 16.2% على واردات البليت لمدة 200 يوم، بحجة حماية الصناعة المحلية، لكن النتيجة كانت كارثية. رفعت هذه الرسوم تكلفة طن البليت المستورد إلى نحو 35 ألف جنيه مقارنة بـ28 ألف جنيه للطن المحلي الذي لا يتوافر أصلاً في السوق، كما أوضح الجارحي.
رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمجموعة المراكبي للصلب حسن المراكبي أكد أن استيراد البليت أصبح أكثر تكلفة بعد فرض رسوم الإغراق، ما انعكس سلبًا على تكلفة الإنتاج ويضغط على هوامش الربح. وأشار إلى أن الفجوة بين تكلفة الخامات وسعر البيع تمثل تحديًا حقيقيًا أمام مصانع الدرفلة، خاصة في ظل المنافسة الشرسة.
القرار الحكومي جاء دون دراسة حقيقية لاحتياجات السوق، ودون وضع آليات بديلة لتوفير الخام محليًا. النتيجة: مئات المصانع متوقفة، وآلاف العمال مهددون بفقدان وظائفهم، والحكومة تتفرج.
تناقضات صارخة وأزمة تتفاقم دون حلول
الأرقام تكشف حجم التناقض: السوق المحلية استهلكت بين 9.7 و9.8 مليون طن بليت خلال العام الماضي، فيما بلغ حجم الإنتاج المحلي 7.7 مليون طن فقط، ليتم سد الفجوة عبر استيراد مليوني طن، كما أوضح حنفي. لكن بعد فرض رسوم الإغراق، توقف الاستيراد شبه كليًا، ولم تزد المصانع المحلية إنتاجها لسد الفجوة.
الأغرب أن مصدرًا بمجلس إدارة شركة السويس للصلب نفى وجود نقص في البليت، وزعم أن السوق يشهد تخمة في المعروض. هذا التناقض الصارخ بين تصريحات المصانع المتكاملة ومعاناة مصانع الدرفلة يؤكد وجود لعبة قذرة تديرها الحكومة بصمتها.
رئيس شعبة مواد البناء أحمد الزيني أكد أن السوق يمر بحالة ركود بنسبة 50%، لكن هذا لا يبرر توقف الإنتاج الكامل لمصانع الدرفلة. الأزمة تتفاقم، والحكومة تواصل سياسة الصمت المريب، فيما تغرق الصناعة الوطنية في مستنقع الفشل والإهمال.

