سلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على ظاهرة انفصال زوجات المعتقلين المتنامية بسبب فقدانهن الأمل في إطلاق سراحهم؛ حيث تواجه النساء ضغوطًا مجتمعية وعائلية.
وفي التقرير الذي كتبته "شيماء الحديدي"، استعان "ميدل إيست آي" بحالة "سارة"، التي وجدت صعوبة في الاستمرار في زواجها.
لكن لم تكن أفعال زوجها "أنس" هي التي دفعتها إلى التفكير في الطلاق، ولكن كان استمرار سجنه من قبل السلطات المصرية - وهو عبء متزايد الصعوبة مع أمل ضئيل في إطلاق سراح "أنس"، أو حتى تحسين ظروف الزيارة.
ولت أحلام الحياة الأسرية العادية لتحل محلها حقيقة تواجهها العديد من النساء المصريات، اللاتي ينتظرن الإفراج عن أزواجهن وخطابهن - من بين الآلاف الذين تم اعتقالهم في مصر منذ الانقلاب الذي قاده "عبد الفتاح السيسي" عام 2013.
 خطبت "سارة" لأنس في فبراير 2015 ثم وقعا عقد زواجهما في العام التالي، لكن أنس اختفى قبل فترة وجيزة من حفل زفافهما في صيف 2016.
وفي حديثها إلى "ميدل إيست آي"، قالت "سارة"، إن اختفاء "أنس" المفاجئ كان تجربة مؤلمة.
وأضافت "سارة": "لقد وعد بالاتصال بي ... لكن 45 يومًا مرت دون أي اتصال". 
بحثت "سارة" يائسة عن أي علامة تدل على وجود زوجها حتى اكتشفت أنه تم القبض عليه واتهامه في قضية عسكرية بممارسة نشاط سياسي غير قانوني، وهو اتهام تنفيه عائلته.
وأوضح "ميدل إيست آي" أن جماعات حقوق الإنسان اتهمت السلطات المصرية بتعذيب السجناء، وقالت إن المحاكمات، خاصة تلك التي تركز على القضايا السياسية، غالبا ما تكون غير عادلة.

 

زيارات مُذلة
 خلال العامين الأولين من اعتقال "أنس"، تم تمديد حبسه شهريًا، بحسب "سارة". لكنها كانت لا تزال تأمل في الإفراج عنه وكانت تزوره مرة في الأسبوع، لتبدأ رحلتها الطويلة إلى السجن في منتصف الليل.
وتابعت "سارة": "عشت بعيدًا في محافظة نائية واضطررت للسفر إلى سجن طرة في جنوب القاهرة. كنت أحمل أكياسًا ثقيلة من الطعام، وكنت أنضم إلى طابور طويل إلى جانب عائلات المجرمين والمعتقلين السياسيين خارج السجن. المنطقة كانت مليئة بالحشرات والقمامة، مما تسبب في ترهيبي ... لم أكن لأدخل من البوابة الأولى للسجن حتى حوالي الساعة 11 صباحًا أو 12 ظهرًا، بينما أتحمل أشعة الشمس الحارقة دون أن أنام".
وأوضحت "سارة"، أن الإهانات اللفظية كانت شائعة أثناء انتظار رؤية السجناء، متذكّرة حادثة هدد فيها ضباط الأمن باغتصاب زوجات السجناء قبل دخولهن لرؤية أزواجهن.
كانت قوائم الانتظار عند كل بوابة، والتي تشمل عمليات التفتيش الذاتي، والتي وصفت فيها "سارة" درجة من التحرش.
عندما تبدأ الزيارات أخيرًا، تذكرت "سارة": "كان لقائي قصير مع "أنس"، يدوم من خمس إلى عشر دقائق فقط. وكان بيننا بسياجين من الأسلاك الفولاذية بينهما متر واحد. الأسوار، إلى جانب الزيارات المتزامنة والمحادثات الصاخبة، جعلت من المستحيل بالنسبة لي أن أراه أو أسمعه بوضوح".

 

اتجاه متنام
سارة واحدة من العديد من المصريات اللواتي يواجهن نفس المعضلة المتمثلة في الموازنة بين واجبهن وحبهن لشركائهن مع الحفاظ على صحتهن النفسية، وتحمل ضغوط أسرهن وأصدقائهن الذين يطلبون منهن الانفصال من أجل مصلحتهن.
تواصل "ميدل إيست آي" مع امرأة انتظرت لمدة تسع سنوات بعد أن تم القبض على زوجها في يوم زفافهما قبل أن تقرر إنهاء زواجهما. وتم القبض على زوج امرأة أخرى خلال شهر العسل - قررت في النهاية الطلاق.
وطلب أفراد عائلة أحد المطلقات من موقع "ميدل إيست آي" عدم الاتصال بها، لأنها تزوجت مرة أخرى وكانت تخضع للعلاج.
العدد الدقيق للزيجات التي انتهت بالطلاق نتيجة الاعتقالا مصر غير متوفر. لكن "هبة حسن"، مديرة التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، قالت إن هناك زيادة ملحوظة في حالات الطلاق بين المعتقلين.
 وأوضحت "هبة" لموقع "ميدل إيست آي": "من ملاحظاتي، بدأت الظاهرة بعد حوالي ثلاث إلى أربع سنوات من الانقلاب، وأثرت في المقام الأول على النساء اللاتي تمت خطوبتهن أو عقد قرانهن، لكنهن لم يبدأن بعد في العيش معًا في نفس المنزل".
وتابعت: "في البداية، أبدت الزوجات والأمهات مزيدًا من الصبر أثناء انتظار إطلاق سراح أزواجهن. ومع ذلك، مع إطالة فترة الاحتجاز وتكثيف الضغوط، تغيرت هذه الديناميكية".
 وأشارت "هبة" إلى أن هناك عددًا من الأسباب للطلاق، تشمل المخاوف الأمنية والأمور المالية والصحة النفسية، فضلاً عن ضغوط الأسرة والمجتمع الأوسع.
 وتابعت:  "ظروف السجن القاسية هي السبب الرئيسي للطلاق. الزوجات يواجهن صعوبات في زيارة أزواجهن وحتى التواصل معهم. وكل زيارة تنتهك حقوقهم الإنسانية الأساسية وتعرضهم للإذلال وأعباء إضافية".
كما أشارت "هبة" إلى حوادث أُبلغت بها عن ضغوط مورست خلال الزيارات لدفع الزوجات نحو الطلاق. تساءل أفراد الأمن علانية عن سبب استمرار النساء في الزيارة رغم الإذلال.
وبحسب "هبة" قيل للنساء: "تطلقن وحررن أنفسكن".
وشددت "هبة" أيضًا على الصعوبات المالية التي تواجهها زوجات المعتقلين، حيث كان الأزواج في كثير من الأحيان هم المعيلون الأساسيون قبل اعتقالهم. ولذلك فإن الوضع يجبر الزوجات على العمل أو الاعتماد على الدعم من الأسرة الممتدة أو التبرعات الخيرية وتمويل النفقات المرتبطة بزيارة السجن.
 وأوضحت "هبة": "في بعض الحالات، قد تشعر أسرة الزوجة بالتردد في تحمل المسؤوليات المفروضة عليهم كأسرة معتقل، بالنظر إلى العبء الهائل الذي تحملوه لسنوات دون أن تلوح في الأفق أي نهاية".
وأكدت أنه "في ظل العبء النفسي ونقص الدعم، تواجه الزوجة وزوجها المعتقل تحديات هائلة. إنهم غير قادرين على تقديم الدعم المتوقع لبعضهم البعض بسبب ظروفهم الصعبة".
وأضافت: "تسعى العديد من الزوجات للحصول على الدعم من المستشارين والأخصائيين النفسيين للتعامل مع هذه الأعباء. ومع ذلك، بالنسبة للبعض، يصبح من الصعب بشكل متزايد تحمل الضغوط المستمرة والاحتجاز المطول دون أي حل".
وقالت "هبة"، نتيجة لذلك، تتخذ بعض النساء في النهاية القرار الصعب بالطلاق.

 

استنزفت عاطفيا
 بالنسبة لـ"سارة"، أصبح واقع الوضع الذي تواجهه واضحًا بعد أن حُكم على "أنس" بالسجن المؤبد في يوليو 2018، ثم إنقاص المدة لاحقًا إلى 15 عامًا بعد الاستئناف.
وبعد شهر من الصمت تبين أنه نُقل إلى سجن آخر لقضاء عقوبته.
في تلك المرحلة، بدأت "سارة" تتعرض لضغوط من العائلة والأصدقاء، الذين كانوا قلقين بشأن حالتها النفسية، وما إذا كانت ستتمكن من أن تصبح أمًا في يوم من الأيام.
وقالت "سارة" لـ"ميدل إيست آي": "كنت ممزقة باستمرار بين انتظار "أنس" وتحمل المعاناة النفسية والجسدية، أو تركه وكلانا يعاني من آلام الانفصال".
وأوضحت "سارة"، أنها أدركت في النهاية حقيقة أن "أنس" لن يخرج من السجن على الأرجح في أي وقت قريب، وأن خططهم للحياة معًا يجب أن يتم تأجيلها، ربما إلى أجل غير مسمى.
في النهاية، اتخذت قرارًا بالطلاق، مشيرة إلى أنها كانت منهكة عاطفيًا وجسديًا، ولكنها استسلمت وقبلت الواقع.

https://www.middleeasteye.net/news/egypt-harsh-prison-life-inmates-divorce-husbands-despair