في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات بين مصر وإثيوبيا توترًا غير مسبوق، حيث يُعتبر النزاع حول سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) جوهر هذا الصراع. فبينما ترى القاهرة أن السد يشكل تهديدًا وجوديًا لمواردها المائية، تصر أديس أبابا على أنه مشروع حيوي لتنميتها الاقتصادية وتوليد الكهرباء. ومع تصاعد التصريحات العدائية من الجانبين وتحركات جيوسياسية جديدة في منطقة القرن الأفريقي، يتساءل الكثيرون: هل باتت الحرب بين مصر وإثيوبيا وشيكة؟

التوتر المائي: محور النزاع الرئيسي
سد النهضة، الذي يقع على النيل الأزرق في إثيوبيا، هو المشروع الأكبر من نوعه في أفريقيا. وتعد مياه النيل بمثابة شريان الحياة لمصر، حيث تعتمد البلاد على النهر لتوفير أكثر من 90% من احتياجاتها من المياه العذبة. وتخشى القاهرة أن يؤدي ملء خزان السد وتشغيله دون اتفاق ملزم إلى تقليص حصة مصر من مياه النيل، مما قد يؤثر على قطاع الزراعة والأمن المائي بشكل عام.

منذ بدء بناء السد في عام 2011، طالبت مصر باتفاق قانوني ملزم حول كيفية إدارة وتشغيل السد، بما يضمن تدفق المياه بشكل آمن خلال فترات الجفاف. ورغم جولات المفاوضات المتعددة بوساطة الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة، لم تتمكن الدولتان من التوصل إلى اتفاق نهائي، مما دفع مصر إلى اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي للضغط على إثيوبيا.
إثيوبيا، من جانبها، تؤكد أن السد ضروري لتوفير الكهرباء لأكثر من 60 مليون إثيوبي يعيشون دون كهرباء. وترفض ما تعتبره "التدخل المصري" في شؤونها السيادية. ومع اقتراب اكتمال ملء خزان السد هذا العام، تتصاعد المخاوف من أن يكون النزاع حول مياه النيل الشرارة التي قد تؤدي إلى صراع أوسع بين البلدين.

المؤشرات على تصعيد محتمل
الخطاب العدائي المتزايد: خلال الأشهر الأخيرة، شهدنا تصاعدًا في التصريحات العدائية بين القاهرة وأديس أبابا. فقد حذر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من أن بلاده "لن تقبل بأي تدخل في شؤونها الداخلية"، مشددًا على أن إثيوبيا ستدافع عن سيادتها بكل الوسائل الممكنة. وفي المقابل، أبدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استعداد مصر لاتخاذ "جميع الإجراءات اللازمة" لحماية حقوقها المائية.

التحركات العسكرية: على الرغم من أن البلدين لم يدخلا في مواجهة عسكرية مباشرة، إلا أن التحركات العسكرية في المنطقة تزيد من احتمالية التصعيد. وقد شاركت مصر مؤخرًا في مناورات عسكرية مع السودان، حليفها الأقرب في قضية مياه النيل، وهو ما اعتبرته إثيوبيا رسالة تهديد مباشرة.
التنافس في منطقة القرن الأفريقي: بعيدًا عن المياه، تتنافس مصر وإثيوبيا على النفوذ في منطقة القرن الأفريقي، وخاصة في الصومال. مؤخرًا، زادت القاهرة من دعمها العسكري للحكومة الصومالية، وهو ما أثار غضب أديس أبابا التي تنشر آلاف الجنود في الصومال. هذا التنافس الإقليمي يضيف بُعدًا جيوسياسيًا للصراع حول سد النهضة، مما يزيد من احتمالية تصاعد التوترات.

التوجه المصري نحو الصومال: محاولة للضغط على إثيوبيا
إلى جانب الصراع المائي، تسعى مصر إلى تعزيز وجودها في منطقة القرن الأفريقي لكسب أوراق ضغط في مواجهة إثيوبيا. وفي هذا السياق، شهدت العلاقات المصرية-الصومالية تطورًا ملحوظًا خلال الأشهر الأخيرة، حيث وقع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتفاقًا أمنيًا مع نظيره الصومالي حسن شيخ محمود. يشمل الاتفاق المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين وتزويد الصومال بالأسلحة. جاءت هذه الخطوة في إطار تعزيز التعاون العسكري، وهو ما يعتبره المحللون محاولة من القاهرة لاكتساب شريك جديد في المنطقة المجاورة لإثيوبيا.

وفي نهاية أغسطس، هبطت طائرتان مصريتان محملتان بالأسلحة في مقديشو، وهو ما أثار حفيظة إثيوبيا التي رأت في هذا التحرك تهديدًا مباشرًا لمصالحها. وقد أدلى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بتصريحات حادة ردًا على هذه التحركات، مؤكدًا أن إثيوبيا "لن تتفاوض بشأن سيادتها وكرامتها" وأنها "ستدافع عن مصالحها بكل قوة".
طموحات إثيوبيا في الحصول على منفذ بحري
منذ انفصال إريتريا عن إثيوبيا في عام 1993، باتت إثيوبيا دولة حبيسة بلا منفذ بحري. ولكن رئيس الوزراء آبي أحمد يعمل على تغيير هذا الواقع، حيث يسعى للحصول على منفذ بحري لإثيوبيا من خلال اتفاقيات مع دول المنطقة. وفي أوائل عام 2024، اقتربت إثيوبيا من تحقيق هذا الهدف بشكل كبير بعد توقيع اتفاق مع إقليم أرض الصومال يسمح لإثيوبيا باستخدام ميناء بربرة. وفي المقابل، تعهدت إثيوبيا بالاعتراف باستقلال أرض الصومال، وهو إقليم غير معترف به دوليًا.

ومع ذلك، فإن هذا الاتفاق أثار استياء الحكومة المركزية الصومالية، التي كانت تعتبر إثيوبيا شريكًا رئيسيًا. نشرت أديس أبابا آلاف الجنود في الصومال لدعم الاستقرار، سواء من خلال اتفاقيات ثنائية أو ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي. لكن مع تغير الوضع الجيوسياسي، وبدء تعزيز العلاقات بين مصر والصومال، أصبحت الحكومة الصومالية أكثر تحفظًا تجاه إثيوبيا.
دلالات التصعيد المحتمل
تأثيرات على الأمن الإقليمي: إذا ما اندلعت حرب بين مصر وإثيوبيا، فإن ذلك سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي وشمال شرق أفريقيا. بالنظر إلى أن إثيوبيا تعد دولة رئيسية في المنطقة وتنشر قواتها في العديد من البلدان المجاورة، فإن أي صراع مسلح قد يؤدي إلى تأجيج النزاعات في دول مثل السودان والصومال، وهو ما سيؤثر على الأمن الإقليمي بشكل عام.

الاقتصاد المصري والإثيوبي في خطر: على الرغم من أن مصر تمتلك جيشًا قويًا مقارنة بإثيوبيا، فإن الدخول في حرب مكلفة سيكون له تداعيات سلبية على اقتصاد البلدين. مصر، التي تعاني بالفعل من أزمات اقتصادية داخلية، قد تجد نفسها في وضع أكثر صعوبة إذا ما تورطت في حرب طويلة الأمد. وفي المقابل، ستواجه إثيوبيا التي تخوض صراعات داخلية عديدة خطر تدهور وضعها الاقتصادي والسياسي إذا ما دخلت في مواجهة مع مصر.

دور الأطراف الإقليمية والدولية: تحاول العديد من الدول الإقليمية والدولية، بما في ذلك السودان ودول الخليج والولايات المتحدة، لعب دور الوسيط لمنع التصعيد. على سبيل المثال، كانت تركيا قد حاولت التوسط بين الصومال وإثيوبيا، ومن المتوقع أن تلعب دورًا في تهدئة الأوضاع بين مصر وإثيوبيا. ولكن مع تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قد تجد القوى الإقليمية نفسها عاجزة عن منع اندلاع صراع واسع النطاق.

ختاما ؛ على الرغم من التوترات المتصاعدة بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، يبدو أن كلا البلدين يدركان مخاطر الدخول في صراع مسلح مباشر. ومع ذلك، فإن الخطاب العدائي والتحركات العسكرية المستمرة قد تدفع المنطقة إلى حافة الصراع. الحل الوحيد القابل للتطبيق على المدى الطويل هو الحوار الدبلوماسي الذي يأخذ بعين الاعتبار المصالح المشتركة والضغوط الإقليمية والدولية.