بقلممحمد إلهامي

 

الحمقى والجهلة والمغفلون موجودون في كل زمان ومكان.. بل إن من بلاء الله أنهم الغالبية الكثرة..

أولئك الذين يزعمون أن هذا وقت الاصطفاف خلف #السيسي_عدو_الله أو خلف ملك الأردن #سليل_الخيانة.. هؤلاء هم الحمقى والمغفلون في عصرنا هذا!!

وقد كان أشباههم قديما في كل محطة خيانة حاضرون أيضا.. وكانت لهم أشباه هذه الدعوات والنظريات.. ولئن كان يجوز لبعض هؤلاء الأقدمين أن يخطئوا لأنه لم تكن لهم خبرة ولا تجربة.. أما نحن، فخلفنا تجربة تزيد على المائة عام!!

الشريف حسين حين كان يقاتل مع البريطانيين ضد العثمانيين، ما كان يجول لا في خياله ولا في خيال أحدٍ ممن كان معه أن النهاية قد تنكمش من الخلافة الكبرى التي تشمل العراق والشام والجزيرة العربية لتكون المنفى في قبرص!!! ومعها حكومتان منقوصتان تحت هيمنة الاحتلال في العراق، وفي منطقة شرق الأردن، لولديْه لا له!!

وابنه عبد الله لما تحالف مع الصهاينة ورتب معهم ومع الإنجليز تثبيته للدولة الصهيونية مقابل سيطرته على الجزء المقرر للعرب في قرار التقسيم، لم يكن يتخيل لا هو ولا أحد ممن كان معه أن الجزاء الصهيوني سيكون المساحة المعروفة الآن للضفة الغربية، بينما ستلتهم إسرائيل أكثر الأرض الباقية، وستترك قطاع غزة للسيادة المصرية!!

وحفيد عبد الله: الحسين بن طلال بن عبد الله، لما كان واحدًا من أخلص رجال الصهاينة، ما كان هو ولا أحد ممن كان معه يتخيل أن إسرائيل بعدما تلتهم سيناء والجولان، ستأتي لتأخذ منه الضفة الغربية، كأن لم تكن بينه وبينهم صداقة حميمة!!

ثم لم يكن هو ولا أحد ممن كان معه، يتخيل أنه هو نفسه سيتخلى عن الضفة الغربية في قرار فك الارتباط عام 1988م، في أحرج وقت ممكن: ذروة الانتفاضة الفلسطينية!!

وهذا الحفيد الثاني، عبد الله الثاني، لعله ما كان يتخيل، بعد طول الخدمة للصهاينة، بل بعد طول الخدمة المخلصة للصهاينة، أنه سيوقف أمام العالِم كله كالعبد، يؤمر ويُحرج، فلا يحرِ جوابا ولا يستطيع بيانا.. بل يأخذ في التلجلج والتردد، كالذي أذنب وأمسك متلبسا بذنبه!!

ما كان الملك فاروق ولا حكومة النقراشي يتخيل أن جزاء ما صنعوه للصهاينة من تدمير الجيش المصري، والتخلي عن النقب، وترك نحو ثلث قطاع غزة سلما، واعتقال المجاهدين والمتطوعين، ومنع أمين الحسيني وحكومة عموم فلسطين من أن تظل في غزة.. وأمورا أخرى كثيرة.. ما كان يتخيل أحدٌ منهم أن المصير سيكون بإسلامهم إلى انقلاب عسكري قام به حفنة من الضباط الصغار، تحت أنف الاحتلال الإنجليزي الرابض بقواته قريبا من القاهرة!!

عبد الناصر الذي لم يفكر أبدا في حرب إسرائيل -بشهادة صفيه هيكل- بل أنقص ميزانية الجيش، وكتم عمل المقاومة وأخمده في قطاع غزة، وتلقى صفعة 1956 من إسرائيل ولم يرد بل فتح لها الملاحة، وأعلن أمام المجلس الوطني الفلسطيني أنه لا هو ولا غيره من حكام العرب لديهم خطة لتحرير فلسطين.. ما كان هذا ليتخيل ولا ليطوف في باله أن إسرائيل ستأكل منه قطاع غزة وفوقها سيناء، وأن الأمريكان والسوفيت سيتقبلون هذا ويتعاملون مع الأمر بلا مبالاة!!

حتى حسني مبارك، ما كان يتخيل أن يتخلى عنه الأمريكان، بعد ثلاثين سنة في خدمة إسرائيل وتمكينها، وإذلال عرفات وإجباره على التوقيع على ما يرضاه، ثم حصار مبارك للمقاومة في غزة، وتجنيد المخابرات المصرية لانتزاع المعلومات عن الحركة الخضراء!!.. ما كان يتخيل مبارك أن الأمريكان سيسمحون بخروجه على هذه الطريقة المذلة المهينة!

خطط تهجير أهل الضفة إلى الأردن، وتهجير أهل غزة إلى مصر، لم تبدأ الآن.. هذه لها تاريخ طويل.. وكلا النظاميْن في مصر وفي الأردن متعاونٌ فيها.. كلٌّ بحسب ما تسمح له به الظروف.. والظروف في مصر كانت تجعل النظام أقوى قليلا من نظيره في الأردن، مع أنهما في الخيانة بمنزلة واحدة!

لكن من ينظر في الوقائع على الأرض، سيرى أن النظام المصري يتهيأ منذ وقت طويل، من قبل اندلاع الحرب الأخيرة، في استقبال كثير من اللاجئين الفلسطينيين في منطقة ما بين رفح إلى العريش.. هل نسينا أن أول من تلفظ بكلمة "صفقة القرن" كان هو السيسي نفسه في لقائه الأول مع ترمب في فترته الأولى؟!!

فالذين يتحدثون عن الاصطفاف خلف هذه الأنظمة الآن، هم يعملون -علموا أم لم يعلموا- في تمكين مشروع التهجير وتنفيذه!!

هذه الأنظمة نحن لم نتعرف عليها الآن، لدى كل منها تاريخ يثبت بوضوح أنهم فرطوا في الأرض وفي الأصول وفي الموارد الجوهرية: المياه والغاز، وقبلها: فرطوا في السيادة.. وقد حافظ النظام المصري على سيناء فارغة، بل زاد في عزلها عن الوادي بقناة جديدة فوق القناة القديمة.. وأزال قرية رفح المصرية!!

الخلاصة: الاصطفاف خلف هذه الأنظمة يساوي تمكينها من تنفيذ التهجير.. الضمانة الوحيدة لئلا ينفذ التهجير أن تسقط هذه الأنظمة.. ساعتها سيحصل تهجير آخر، سيهاجر الإسرائيليون بسبب الرعب الذي سيجتاحهم، والحدود!