عندما يتعلق الأمر بإقالة رئيس الشاباك رونين بار، لا يوجد "جانب جيد" في القصة، بل هناك جانب ماكر وشرير مقابل جانب أحمق وشرير.
بعد يومين من الإعلان عن إقالته، نشرت وسائل الإعلام الصهيونية صورة لبار مع رئيس الأركان الجديد إيال زمير، أثناء قيادة الهجوم الصهيوني المفاجئ على سكان غزة المدنيين، والذي تزامن مع استيقاظ الفلسطينيين لتناول السحور قبل بدء صيام رمضان.
 

نتنياهو واستغلال الحرب لتحقيق مكاسب سياسية
  يقف على أحد جانبي هذه القصة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي يراهن على صعود اليمين المتطرف في الغرب، مستفيدًا من معارضة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الشرسة للنظام العالمي الذي أُرسيت قواعده بعد الحرب العالمية الثانية، وهو النظام الذي أوجد مؤسسات مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.

ويرى نتنياهو عالمًا تُفرض فيه الوقائع من خلال القوة العسكرية المجردة، دون أي مساءلة. لكن اهتمامه الأساسي ينصب على محاكمته بتهم الفساد، إضافة إلى تحقيقات الشاباك في تسريبات إعلامية وفضيحة "قطر جيت"، المتعلقة بمعاملات مالية مشبوهة بين مساعديه وقطر.
 

الشاباك والمؤسسة الأمنية التقليدية
  على الجانب الآخر يقف رونين بار، الذي عيّنه رئيس الوزراء السابق نفتالي بنت عام 2021، ويمثل نخبة الأمن الصهيوني التي تدرك التداعيات طويلة المدى لمناورات نتنياهو السياسية.
ينتمي بار إلى المؤسسة الأمنية التقليدية، التي لا تعارض الهيمنة الصهيونية ولكنها تخشى أن تؤدي تصرفات نتنياهو إلى انهيار النظام من الداخل.

منذ بداية الحرب على غزة، استخدم نتنياهو الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر 2023 كفرصة للقضاء على خصومه السياسيين داخل المؤسسة الأمنية، دون أي مساءلة سياسية، وهو أمر غير مسبوق حتى في الإخفاقات الأمنية الصهيونية الأصغر حجمًا.
 

انهيار القيم الديمقراطية داخل كيان الاحتلال
   
قبل بدء الإبادة الجماعية في غزة، كان جمهور المستوطنين ينظر إلى المؤسسة الأمنية على أنها "بقرة مقدسة"، لا يمكن المساس بها.
ولكن حتى قبل الحرب، خلال الاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي، كانت المعارضة الأكثر تنظيمًا تأتي من شخصيات عسكرية وأمنية سابقة، الذين حشدوا نفوذهم داخل الجيش، بل وهددوا برفض الخدمة العسكرية إذا تم تمرير الإصلاح القضائي بالكامل.

لكن مع اندلاع الحرب، انضم كثيرون من داخل المؤسسة الأمنية إلى حملة نتنياهو، مدفوعين برغبة في الانتقام من غزة، دون إدراك أن نتنياهو كان يسعى وراء أهداف أخرى تمامًا، مثل استكمال انقلابه القضائي وإحكام قبضته على السلطة.

في الوقت نفسه، استغل نتنياهو انشغال العالم بالحرب لمواصلة تطهير المؤسسة الأمنية من خصومه، واستبدالهم بولاء مطلق. كما استغل حلفاؤه، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الحرب لتعزيز سيطرتهم، سواء من خلال إعادة هيكلة الشرطة أو تحويل ميزانيات ضخمة لدعم المستوطنات في الضفة الغربية.
 

استغلال التصعيد لضمان البقاء السياسي
   
وعندما دخل وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، واجه نتنياهو مأزقًا سياسيًا خطيرًا.
كان الاتفاق يتطلب انسحاب جيش الاحتلال، وهو أمر كان سيمثل كارثة سياسية له؛ كما بدأ الشاباك في التحقيق مع مكتبه، بينما كان يواجه صعوبات في تمرير ميزانية الدولة بسبب خلافات داخل ائتلافه الحاكم.

في مواجهة هذه الأزمات، قرر نتنياهو التصعيد مجددًا، فأقال رونين بار، ثم أطلق هجومًا عسكريًا مفاجئًا على غزة، أسفر عن استشهاد أكثر من 400 فلسطيني، مما أدى إلى تحويل انتباه الرأي العام عن إقالة رئيس الشاباك إلى الحرب الجديدة.
 

الفلسطينيون كضحايا لصراعات السلطة
   
أصبحت حياة الفلسطينيين مجرد ضجيج خلفي في الصراع على السلطة داخل الكيان الصهيوني.
وبينما يحمّل البعض نتنياهو وحده مسؤولية هذه الفوضى، فإن الأزمة برمتها تعكس الأساس العميق للعقيدة الصهيونية، التي تضع التفوق الصهيوني فوق أي اعتبار آخر.

ومنذ بداية الحرب، لم يناقش أي سياسي إسرائيلي بشكل جدي شرعية المجازر التي تُرتكب في غزة، ولا تأثيرها على المدى البعيد.
ومع ذلك، فإن الواقع يفرض سؤالًا أكثر إلحاحًا: إذا فشل الاحتلال الصهيوني في تحقيق أهدافه العسكرية بعد أكثر من عام من الحرب، فهل سينجح عبر جولة جديدة من القصف؟

في نهاية المطاف، لن يتوقف نتنياهو عن السعي وراء مصالحه الشخصية، لكن الحرب ستنتهي يومًا ما، وعندها فقط سيدرك خصومه السياسيون أنهم لم يكونوا سوى بيادق في لعبته، تمامًا مثل المتطرفين الذين دعموا سياساته.

https://www.middleeasteye.net/opinion/palestinian-lives-have-become-background-noise-internal-israeli-power-struggles