وسط الحرب المروعة في غزة، تتزايد حدة المشاعر في العالم العربي، حيث تشهد العديد من الدول احتجاجات تضامنية ضخمة مع فلسطين؛ إلا أن هذه الاحتجاجات تثير قلق النخب الحاكمة التي ترى في القضية الفلسطينية مصدر تهديد لاستقرارها.
لهذا السبب، بدأت بعض الدول العربية، مثل مصر والأردن والسعودية، في قمع النشاطات المؤيدة لفلسطين.
 

الخوف من الحراك السياسي
   بشكل عام، تعاني الأنظمة الاستبدادية من أزمة شرعية، ما يجعلها تخشى أي شكل من أشكال الحراك الشعبي، بغض النظر عن القضية التي تجمع الناس. وتسعى معظم الحكومات العربية إلى احتواء هذه الحركات ومنعها من تحدي الروايات الرسمية والمصالح الحاكمة.

وتقول مارينا كالكولي، الباحثة بجامعة كولومبيا، إن "معظم الدول العربية حساسة جدًا تجاه الاحتجاجات الشعبية، إذ تخشى أن يؤدي فتح المجال العام والسماح بالتظاهرات المؤيدة لفلسطين إلى تشجيع احتجاجات أخرى ضد سياسات الحكومة في مجالات أخرى".

يؤيد هذا الرأي نادر هاشمي، مدير مركز الأمير الوليد للتفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورجتاون، الذي يرى أن أي حراك شعبي يمثل تهديدًا للأنظمة الاستبدادية في المنطقة. ويوضح أن الأنظمة العربية اليوم لا تحب القومية الفلسطينية لأنها تحفّز الحراك الشعبي، ما يجعل الحكومات تسعى إلى خنقه.

أما رامي خوري، الباحث في الجامعة الأميركية ببيروت، فيرى أن "العالم العربي حول مواطنيه إلى مجرد مستهلكين". 

ويضيف: "يمكنك شراء أي شيء تريده، هناك 25 نوعًا من الدجاج المقلي في معظم العواصم العربية، وهذا ما تريده الحكومات، أن ينشغل الناس بالاستهلاك بدلًا من التفكير في السلطة والسياسات العامة".
 

القضية الفلسطينية تكشف نقاط ضعف الأنظمة
   
تُحرج القضية الفلسطينية العديد من الحكومات العربية التي تحاول تحقيق توازن بين إرضاء الرأي العام من خلال دعم رمزي لفلسطين، وبين تجنب التصعيد مع إسرائيل والولايات المتحدة، التي تعتمد عليها بعض الأنظمة في مجالات الأمن والمساعدات المالية.

مع استمرار الحرب في غزة، تتزايد الضغوط الداخلية على هذه الحكومات، وهو ما يفسر مطالبة جميع الدول العربية بوقف إطلاق النار. ولكن، بالنسبة لمعظم القادة العرب، فإن هذه الدعوات ليست مدفوعة بالضرورة بدافع إنساني بقدر ما تهدف إلى الحفاظ على استقرار أنظمتهم.

تقول الصحفية اللبنانية غادة عويس: "القضية الفلسطينية عادلة، لكن الطغاة العرب لم ينظروا إليها إلا من زاوية واحدة: كيف أحمي نظامي؟".

مع استمرار الصراع، بدأ المواطنون العرب يطرحون تساؤلات محرجة حول سبب إنفاق دولهم مليارات الدولارات على التسلح، في حين لا تقدم حتى رصاصة واحدة لدعم المقاومة الفلسطينية.

يزداد هذا الإحراج بالنسبة للدول التي قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. في وقت يُنظر فيه إلى ما يجري في غزة على أنه إبادة جماعية، تجد هذه الأنظمة نفسها في موقف دفاعي، بسبب تعاونها مع إسرائيل والغرب لطمس القضية الفلسطينية من خلال اتفاقيات التطبيع.

توضح كالكولي أن "معظم الأنظمة العربية متورطة في محاولات قمع نضال الفلسطينيين من أجل الحرية، وتطبيع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، حيث استخدمت هذه القضية كورقة مساومة للحصول على تنازلات من إسرائيل، والولايات المتحدة، وأوروبا في مجالات الأمن والطاقة والتجارة".
 

القضية الفلسطينية والأنظمة العربية
   
يرتبط موقف الحكومات العربية من فلسطين بتاريخ طويل من السياسة الإقليمية، بدءًا من الحركات القومية العربية في الخمسينيات، وصولًا إلى صعود الإخوان المسلمين، التي عبرت عن دعمها للقضية الفلسطينية ما أكسبها الدعم الشعبي.

ويقول خوري إن "الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين تُقلق الحكومات لأنها لطالما استُغلت من قبل القوى السياسية الأكثر تهديدًا للأنظمة العربية، سواء من قبل الحركات اليسارية أو الإسلامية".

ويرى أن "منذ الخمسينيات، استخدم اليساريون القضية الفلسطينية لحشد التأييد ضد الحكومات، ولاحقًا فعل الإسلاميون الشيء ذاته، ما يجعل هذه القضية أكثر حساسية بالنسبة للأنظمة".

تمثل فلسطين رمزًا أوسع للنضال من أجل الحرية والكرامة، وهو ما يلقى صدى لدى العرب والمسلمين وشعوب الجنوب العالمي. على سبيل المثال، عند الإفراج عن مئات السجناء السياسيين في البحرين مؤخرًا، رفعوا الأعلام الفلسطينية وهتفوا دعمًا للقضية الفلسطينية.

هذا التضامن العربي مع الفلسطينيين ليس جديدًا. ففي عام 2012، عندما كان الناشط البحريني عبد الهادي الخواجة مضربًا عن الطعام في السجن، أخبره الأسرى الفلسطينيون: "حريتك مرتبطة بحريتنا، وحريتنا مرتبطة بحريتك".

ويشرح هاشمي أن القضية الفلسطينية تمثل معركة ضد الظلم، ما يدفع الجماهير العربية إلى رؤية الصراع الفلسطيني كجزء من نضال أوسع ضد الأنظمة الاستبدادية. ويضيف أن العديد من الحكومات العربية تحرم شعوبها من حق تقرير المصير، ولهذا السبب تخشى القضية الفلسطينية، وتسعى إلى "خنقها وإسكاتها".

ويختتم بقوله: "ما تفضله الأنظمة العربية هو نوع من القومية الفلسطينية التي تجسدها سياسات السلطة الفلسطينية، بدلًا من القومية الفلسطينية الحقيقية التي تحفّز الجماهير".

https://responsiblestatecraft.org/arab-leaders-not-helping-palestinians