تواجه حكومة السيسي عدة أزمات تتعلق بملف اللاجئين في مصر، ويتعلق أهمها بالتمويل، والأمن القومي، بينما يتعلق البعض الآخر بفرض قيود أو سياسات جديدة على منح الإقامات لضمان عدم تأثير وجود اللاجئين على سوق العمل المحلي، خشية ان يؤدي ذلك إلى توترات بين اللاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم.
وتجري حكومة السيسي تحركات مكثفة على المستوى الدبلوماسي للبحث عن آليات جديدة لتمويل ودعم ملف اللاجئين، في ظل الصعوبات الاقتصادية المتزايدة التي تواجه الحكومة، وسط ما تشهده العلاقات المصرية-الأميركية من توتر بسبب موقف القاهرة الرافض للرؤية الأميركية الخاصة بمستقبل قطاع غزة، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة تهجير الفلسطينيين. وتعد مصر من الدول التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين، خصوصاً من السودان، وليبيا، وسورية، والعراق، يقدر عددهم بأكثر 902 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين من 58 جنسية مختلفة، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
بدائل لدعم اللاجئين في مصر
ووفق مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة، تعمل وزارة الخارجية، بالتنسيق مع جهات حكومية أخرى، على إيجاد بدائل تمويلية لدعم اللاجئين، عبر التواصل مع الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، ومؤسسات مالية دولية، مضيفة أن التقديرات تشير إلى أن هناك توجهاً لتوسيع التعاون مع دول الخليج للحصول على دعم إضافي، في ظل استمرار الولايات المتحدة في الضغط على مصر اقتصادياً، وفقًا لـ"العربي الجديد".
وتضيف المصادر أن هناك محادثات مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لزيادة الدعم المالي المقدم لمصر، بما يتناسب مع حجم الأعباء التي تتحملها حكومة السيسي في استضافة اللاجئين وتوفير الخدمات الأساسية لهم. وتؤكد المصادر أن مصر ستواصل رفضها لأي مقترحات تتعلق بتهجير الفلسطينيين إلى أراضيها، رغم الضغوط الدولية المتزايدة، وستعمل على إيجاد حلول بديلة لدعم اللاجئين المتواجدين بالفعل داخل أراضيها، بعيداً عن الإملاءات السياسية الخارجية.
أرقام مبالغ فيها
ويشكل إعلان الحكومة أخيراً عن حصر التكلفة الاقتصادية لاستضافة اللاجئين رسالة موجهة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن القاهرة تتحمل عبئاً اقتصادياً وإنسانياً يفوق قدراتها، وهو ما قد يُستخدم أداة ضغط دبلوماسي في المفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية والجهات المانحة. فقد أعلن مجلس الوزراء في بيان الأحد الماضي أن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي استعرض في لقاء مع وزيرة التضامن الاجتماعي مايا مرسي "تقديرات لإجمالي التكلفة التي تتحملها الدولة نظير رعاية ضيوفها من مختلف الجنسيات واللاجئين والوافدين المقيمين في مصر من الأجانب"، دون تحديد هذه التكلفة. إلا أن مدبولي سبق أن قال، في إبريل من العام الماضي، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض، إن مصر تستضيف أكثر من 9 ملايين شخص (للاجئين والمقيمين) من دول الإقليم وأفريقيا، مضيفاً أن التكلفة المباشرة لاستقبال هذا العدد أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً.
وأشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن ما تقوله مصر من إنفاق 10 مليارات دولار سنويًا على 9 ملايين لاجئ، وفقًا لمسؤولين وإعلام حكومي، إلا أن الخبراء يرون أن هذه الأرقام مبالغ فيها. حيث كانت مصر تعاني من أزمة مالية حتى قبل اندلاع الحروب في أوكرانيا وغزة، نتيجة الإنفاق الحكومي المفرط، الاعتماد على الواردات، وضعف نمو القطاع الخاص.
وخلال عام 2024، خسرت مصر 7 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس بسبب تأثر حركة الشحن في البحر الأحمر.
طلب دعم أوروبي وأممي
وتسعى مصر إلى توظيف هذه الأرقام لطلب مزيد من الدعم من الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والدول الكبرى التي تربطها بها علاقات استراتيجية. ويمكن لهذا التحرك أن يفتح الباب أمام اتفاقيات جديدة للتمويل والمساعدات المباشرة، خصوصاً مع تصاعد المخاوف الأوروبية من موجات الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط. وفي ضوء الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع معدلات الهجرة، تسعى مصر إلى تقديم نفسها كشريك أساسي في ضبط الحدود ومنع تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا. لا يقتصر البعد السياسي لهذا الملف على العلاقات الخارجية، بل يمتد إلى الداخل المصري، إذ تثير قضية اللاجئين والوافدين بعض التحديات المتعلقة بالأمن القومي والتوازنات الاقتصادية والاجتماعية. فمن ناحية، تؤكد الحكومة أن استضافة اللاجئين تأتي في إطار التزاماتها الإنسانية، لكنها في الوقت نفسه تُبرز التكلفة الاقتصادية لهذا الأمر، ما قد يكون مقدمة لاتخاذ قرارات جديدة بشأن تنظيم إقامة الأجانب أو فرض رسوم إضافية على الخدمات المقدمة لهم.
وبحسب خبراء، قد يكون إعلان الحكومة عن حصر تكلفة اللاجئين مؤشراً على تغييرات قادمة في السياسات المصرية تجاه اللاجئين والوافدين. فقد تلجأ السلطات إلى فرض قيود جديدة على منح الإقامات أو وضع سياسات جديدة لضمان عدم تأثير وجود اللاجئين على سوق العمل المحلي، وهو ما قد يؤدي إلى توترات بين اللاجئين والمجتمعات المستضيفة لهم. كما قد تسعى مصر إلى اتباع سياسات مشابهة لما قامت به بعض الدول العربية مثل الأردن ولبنان، من خلال الضغط للحصول، للحصول على دعم مالي من المنظمات الدولية مقابل استمرار استضافة اللاجئين، وهو ما قد يدفع الدول المانحة إلى تقديم تمويل إضافي لدعم الاقتصاد المصري.
مصدر للعملة الصعبة
ونقلت صحيفة (نيويورك تايمز) الامريكية عن محللين أن حكومة السيسي تستغل اللاجئين كمصدر للعملة الصعبة عبر فرض رسوم بالدولار على الإقامات والتصاريح.
ونقلت عن نور خليل، المدير التنفيذي لمنصة اللاجئين في مصر: "يُنظر إلى اللاجئين كأداة مفيدة للحكومة، سواء للحصول على دعم دولي أو عملة صعبة".
وعن ابتزاز المساعدات الدولية واستغلال الأزمة، أشارت الصحيفة إلى أنه مع تأثر الاقتصاد المصري، قدم الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات بقيمة 8 مليارات دولار لمصر في مارس 24، بهدف تعزيز مراقبة الهجرة ومنع تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
وعليه وصف التقرير السيسي ب "تاجر البندقية" أو شيلوك الذي يظهر من جديد حيث مصر تستغل اللاجئين للحصول على الدولار وسط أزمتها الاقتصادية.
ونقلت من بين القصص المؤلمة، قصة محمد عبد الوهاب، الذي اضطر إلى اللجوء إلى مهربين لدخول مصر مع عائلته بعد تشديد القيود على الحدود السودانية. عمل محمد وابنه في جمع البلاستيك لتوفير لقمة العيش، لكنه فقد ابنه الذي اعتُقل وتم ترحيله مع مجموعة من السودانيين.
قال محمد: "إنها مأساة لا توصف.. الآن عائلتي تفترش الرصيف أمام مقر المفوضية".
تسعى مصر إلى تحقيق توازن بين استيعاب اللاجئين والحصول على دعم دولي لمعالجة أزمتها الاقتصادية المتفاقمة، لكن ذلك لا يخلو من تحديات إنسانية وأخلاق.