في مشهد يكشف حالة الارتباك في قيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعلن تعيين إيلي شرفيت رئيسًا لجهاز الشاباك ثم تراجع عن القرار خلال 24 ساعة فقط. هذا التردد يكشف عن غياب التخطيط والانسجام في قرارات القيادة العليا، ويعزز الانطباع بأن نتنياهو يتخذ قراراته تحت تأثير الضغوط، سواء من حلفائه اليمينيين أو أطراف خارجية، بل وحتى من زوجته سارة، وفق تقارير إعلامية إسرائيلية.

هذا السلوك العشوائي ساهم في تدهور ثقة الإسرائيليين بالحكومة. حتى فبراير 2025، أظهرت استطلاعات رأي أن أكثر من 70% من الإسرائيليين لا يثقون بالحكومة، في حين طالب نحو 60% منهم باستقالة نتنياهو والدعوة لانتخابات جديدة، وذلك بعد فشله في منع هجمات 7 أكتوبر، وعدم قدرته على إنهاء الحرب التي تحوّلت إلى إبادة جماعية في غزة.

فقد نتنياهو ثقة الجمهور ليس فقط بسبب الإخفاقات الأمنية، بل لأنه أصبح يُنظر إليه كزعيم يعمل لحماية مصالحه السياسية فقط، حتى لو كان الثمن إشعال فتنة داخلية أو التضحية بحياة أكثر من 15 ألف طفل في غزة، فضلًا عن عشرات الآلاف من المدنيين، فقط ليطيل أمد بقائه في الحكم.

فضيحة الشاباك تمثل أبرز دليل على فساد نتنياهو وسوء تقديره. فالساحة السياسية الإسرائيلية معروفة بعدم الاستقرار وتغيّر الائتلافات، لكن ما يحدث الآن يتجاوز المألوف، حيث يسعى اليمين الإسرائيلي إلى بسط هيمنته على جميع المؤسسات، بما فيها الجيش الذي طالما اعتُبر خارج اللعبة السياسية.

الهجوم في 7 أكتوبر، والحرب الفاشلة التي تلت ذلك، أديا إلى كسر التوازن الهش داخل الحكومة، ما أدى إلى احتجاجات جماهيرية واسعة أجبرت نتنياهو سابقًا على إعادة وزير الدفاع يوآف غالانت إلى منصبه في أبريل 2023، قبل أن يقيله مجددًا في نوفمبر.

ومنذ اندلاع الحرب التي استمرت 18 شهرًا حتى فبراير 2025 في غزة ولبنان وسوريا، استغل نتنياهو حالة الطوارئ لقمع المعارضة وتجاهل دعوات وقف الحرب، واستخدمها كغطاء لتحقيق أجندة داخلية كان عاجزًا عن تنفيذها سابقًا. لكن جهاز الشاباك يختلف، نظرًا لما يمثله من أهمية بالغة في الاستقرار الداخلي، حيث أُسس عام 1949 لمهام مكافحة الإرهاب وجمع المعلومات وحماية المسؤولين، إلى جانب منع التجسس والاختراق الداخلي.

في ظل الإخفاقات الأمنية، أي إعادة هيكلة كبرى للجهاز قد تجر نتائج كارثية، خاصة أن تقليد تعيين رئيس الشاباك كان دومًا بمعزل عن الصراعات السياسية. لذلك، قرار نتنياهو بعزل رئيس الجهاز رونين بار في 2 مارس أثار صدمة في المجتمع الإسرائيلي، ربما أكثر من إقالة رئيس الأركان أو وزير الدفاع.

هذا القرار كسر أحد المحرمات السياسية، وفاقم الأزمة الداخلية، خاصة بعد تهديد رئيس الشاباك الأسبق نداف أرغمان بكشف معلومات سرية، ما يوحي باستعداد الجهاز لخوض صراع داخلي قد يتطور إلى حرب أهلية.

إلغاء تعيين شرفيت يُعد أكثر من مجرد تراجع؛ إنه يكشف تخبط نتنياهو ويمنح خصومه قوة إضافية. وصف زعيم المعارضة يائير لابيد الحكومة بأنها تمثل "تهديدًا وجوديًا لإسرائيل".

ورغم أن بعض التحليلات ربطت تراجع نتنياهو بضغط أمريكي بسبب مقال سابق لشرفيت ينتقد فيه دونالد ترامب، إلا أن هذا التفسير يُعد تبسيطيًا. فرغم نفوذ واشنطن، إلا أن قرارات نتنياهو تحكمها عوامل متعددة، ويحرص على تصوير خطوة التراجع على أنها مناورة استراتيجية لكسب دعم ترامب ومواصلة حروبه في غزة والمنطقة.

في نهاية المطاف، ليست لدى نتنياهو رؤية سياسية واضحة، فكل ما يهمه هو الحفاظ على ائتلافه السياسي والبقاء في الحكم، ولو على حساب الاستقرار الداخلي ومصالح الدولة.

https://www.middleeastmonitor.com/20250408-netanyahus-shin-bet-scandal-who-holds-the-power/