نشر موقع ميدل إيست آي تقريرًا يُبرز توجه إدارة ترامب خلال الأسابيع الأخيرة نحو تفكيك الأذرع الأيديولوجية للإمبريالية الأمريكية في الخارج، والتركيز بدلًا من ذلك على فرض أيديولوجيا محافظة داخل الولايات المتحدة، وخاصة في الجامعات. وبينما يبدو هذا التوجه متناقضًا في ظاهره، فإنه في جوهره يعكس سياسة متكاملة، إذ ترى الإدارة أن العالم لم يعُد بحاجة إلى "غسيل دماغ" أمريكي، بعدما تبنّت نخب الدول النامية مبادئ الرأسمالية، بينما بات التحدي الحقيقي داخل الحدود الأمريكية.

استهدف ترامب وكالة USAID، واصفًا إياها بـ"المنظمة الإجرامية". تأسست الوكالة عام 1961 خلال عهد الرئيس جون كينيدي، وأصبحت من الأدوات الأساسية للسياسة الإمبريالية الأمريكية، تهدف إلى السيطرة على اقتصاديات "العالم الثالث"، ومحاربة صعود دولة الرفاه والاشتراكية، ومواجهة ما تعتبره الولايات المتحدة شيوعية.

روّجت USAID للرأسمالية الأمريكية الليبرالية، واستخدمت برامج التنمية والتعليم والحكم الديمقراطي كغطاء لنشر الأيديولوجيا النيوليبرالية. موّلت دراسات اقتصادية في جامعة شيكاغو لطلاب من تشيلي، والذين لعبوا لاحقًا دورًا أساسيًا في فرض النيوليبرالية بعد انقلاب 1973.

سعت إدارة ترامب إلى تقليص هذه المهام الأيديولوجية، واعتبرت أن النخب في الدول النامية قد اقتنعت بالفعل بالرأسمالية، ولم تعد بحاجة إلى "غسيل دماغ" ليبرالي مصاحب. ومع ذلك، واصل المعارضون الليبراليون تحذيراتهم من أن تفكيك USAID سيؤدي إلى تراجع النفوذ الأمريكي لصالح الصين وروسيا.

لكن الحقائق تشير إلى أن USAID عمّقت الفقر في مصر، وأسهمت في الانقلابات، وجمعت قوائم اغتيال كما في إندونيسيا عام 1965، حيث لقي نصف مليون شخص مصرعهم. بينما تجاهلت الصحافة الليبرالية هذه الوقائع، وركّزت فقط على احتمال زيادة المجاعات.

توجّه ترامب لإغلاق وسائل إعلام تابعة للحكومة مثل "صوت أمريكا" و"راديو آسيا الحرة" التي روجت للدعاية الأمريكية منذ الحرب الباردة، معتبرًا أنها لم تعُد تخدم المصالح الإمبريالية.

في المقابل، ركزت الإدارة على الداخل الأمريكي. ومع صعوبة استخدام القوة العسكرية ضد المواطنين، لجأ ترامب إلى وسائل أخرى كضغط التمويل على الجامعات لدفعها نحو تبني الأيديولوجيا المحافظة. بدأ ذلك بحملات ضد الاحتجاجات الطلابية المناهضة للعدوان الإسرائيلي على غزة، وبتشجيع الجامعات على قمع الحريات الأكاديمية.

شاركت جامعات مثل كولومبيا وهارفارد بالفعل في قمع الاحتجاجات، لكن إدارة ترامب طالبت بالمزيد، ودفعت نحو إصلاحات داخلية تقيّد حرية التعبير وتفرض الرقابة الأيديولوجية.

تُدرك الإدارة أن تفوقها الإمبريالي يمكن الحفاظ عليه بالقوة في الخارج، بينما تحتاج إلى هندسة فكرية دقيقة في الداخل لضمان استمرار الهيمنة الطبقية البيضاء. وهكذا أصبحت الجامعات إحدى ساحات هذه المعركة الأيديولوجية.

يتخذ ترامب من دعم الجامعات لإسرائيل مدخلًا لتقييد الحريات الفكرية الأوسع، مثل حقوق الأقليات، وحقوق المرأة، وبرامج دولة الرفاه. ويرتكز على روايات مثل "نظرية الاستبدال" لتبرير إلغاء حقوق النساء والمهاجرين، وتحميلهم مسؤولية التدهور الاقتصادي بدلًا من تحميل النخب البيضاء مسؤولية اتساع الفقر.

يرى ترامب أن التخلي عن القوة الناعمة في الخارج وتكثيف السيطرة الأيديولوجية في الداخل يخدم المصالح الإمبريالية الأمريكية بشكل أفضل، ويوفّر المال في الوقت نفسه. أما المعارضون من الليبراليين وبعض المحافظين، فقلقهم لا يغيّر من قناعة ترامب بأن هذا هو الطريق الوحيد.

https://www.middleeasteye.net/opinion/trump-no-longer-needs-indoctrinate-world-only-americans