وقف الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيناتو إلى جانب رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي في قصر الاتحادية، وأعلنا عن شراكة استراتيجية جديدة، تعكس أكثر من مجرد خطوة دبلوماسية.
هذا الإعلان يعيد إحياء العلاقة بين البلدين، ويمنحها بُعداً براجماتياً يتماشى مع التحولات الجيوسياسية الراهنة.
اتفقت إندونيسيا ومصر على تعزيز التعاون في مجالات الدفاع والتعليم والتجارة والطاقة والتبادل الثقافي.
غير أن زيارة برابوو إلى القاهرة تعكس تحولاً أوسع في السياسة الخارجية الإندونيسية، حيث تسعى جاكرتا إلى تنويع تحالفاتها بعيداً عن الاعتماد المفرط على واشنطن أو بكين.
كانت القاهرة المحطة الثالثة في جولة برابوو الإقليمية التي شملت الإمارات وتركيا وقطر والأردن، وهي جزء من استراتيجية إندونيسية تهدف إلى بناء سياسة خارجية أكثر استقلالاً وديناميكية، تقوم على المصالح المشتركة والقيم المتقاربة.
من الجانب المصري، تبحث القاهرة عن آفاق جديدة في شرق آسيا، خاصة مع نمو علاقاتها مع دول رابطة آسيان، حيث تحتل إندونيسيا موقع الريادة اقتصادياً.
بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 1.7 مليار دولار في عام 2024، مما يجعل مصر الشريك التجاري الأكبر لإندونيسيا في شمال أفريقيا.
تجد المنتجات الإندونيسية كزيت النخيل والبن وزيت جوز الهند طريقها إلى الأسواق المصرية، بينما استثمرت شركات مصرية في قرابة 100 مشروع بإندونيسيا، تشمل قطاعات الطاقة والبنية التحتية.
لكن التحالف بين البلدين لا يقوم على الاقتصاد فقط. خلال القمة، أطلق الجانبان دعوة موحدة لمعالجة الوضع في غزة، معربين عن رفضهما للتهجير القسري للفلسطينيين، وتنديدهما بالمستوطنات غير القانونية، وتمسكهما بحل الدولتين على أساس حدود 1967، مع القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية.
هذا التوافق لا يقتصر على البعد الخطابي، بل يحمل أبعاداً استراتيجية.
في ظل تردد واشنطن وحذر بكين، تسعى جاكرتا والقاهرة إلى لعب دور فاعل في الدفع نحو السلام من موقع إقليمي مشروع.
جانب آخر مهم في هذه الزيارة تمثل في التعاون الدفاعي. زيارة برابوو للأكاديمية العسكرية المصرية وإشادته ببرامجها تعكس اهتماماً ببناء علاقات أمنية تقوم على تبادل الخبرات والتدريب المشترك وربما تطوير تقنيات أمنية مشتركة.
في المجال الثقافي والتعليمي، تستضيف مصر أكثر من 15 ألف طالب إندونيسي، خصوصاً في جامعة الأزهر.
كما أعلنت الحكومة المصرية عن توسيع برنامج المنح الدراسية للطلبة الإندونيسيين، في خطوة تعزز روابط القوة الناعمة بين البلدين.
في ضوء التحولات العالمية وتراجع مركزية القوى التقليدية، تعيد دول مثل إندونيسيا ومصر تشكيل أدوارها، لا باعتبارها تابعة للقوى الكبرى، بل كقوى إقليمية تسعى إلى بناء مستقبلها بشروطها الخاصة.
علاقة جاكرتا بالقاهرة لا تعبّر عن انحياز لمحور دون آخر، بل تجسد رغبة في تجاوز ثنائية الصراع العالمي، وفتح فضاء جديد للتعاون بين دول الجنوب العالمي على أساس الندية والاحترام المتبادل.
قد لا تتصدر هذه الشراكة عناوين الصحف العالمية، لكنها تقدم نموذجاً بديلاً لكيفية تفاعل الدول النامية من موقع الفاعل، لا المتلقي.
وفي عالم يفتقر إلى الوضوح الأخلاقي، تبدو دعوة جاكرتا والقاهرة الموحدة من أجل فلسطين من بين الأصوات القليلة التي تجمع بين المبدأ والغرض النبيل.