في تغير مفاجئ بمنطقة الشرق الأوسط وأنباء عن تفاهمات بين الأطراف الملتهبة، السعودية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، والطرف الأكثر عداوة في المنطقة للمصالح السعودية الأمريكية، دولة إيران، أشارت مصادر غربية إلى أن السعودية يمكنها لعب دور الوسيط بين إيران والولايات المتحدة، بعد أن أبدت الرياض استعدادها للعب دور في المساعدة على انهاء أي توتر في المنطقة.

فبعد سنوات من العداء والقطيعة، تشهد المنطقة تغييرات في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بين السعودية وإيران، أبرز أقطابها الأكثر تنافسًا وتنافرًا، مما يطرح تساؤلات بشأن طبيعة "التقارب" بينهما، وما إذا كان سينهي "حروب الوكالة" التي شهدها الشرق الأوسط على مدار سنوات.

 

زيارة وزير الدفاع السعودي لإيران

وفي ما فُسّر على تغير الموقف سعودي ومعارضته لتوجيه أي ضربات أميركية أو إسرائيلية لإيران، زار وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، طهران، حيث اجتمع بالمرشد الأعلى، السيد علي الخامنئي، وسلّمه رسالة من ولي العهد، محمد بن سلمان، في أرفع زيارة لمسؤول سعودي منذ إعادة العلاقات بين البلدَين عام 2023، بوساطة صينية.د

وأكّد الخامنئي خلال اللقاء الذي جرى بحضور رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري أنّ العلاقات بين البلدين يمكن أن تكون «مفيدة» لكليهما، مشدّدًا على أنّ طهران والرياض قادرتان على «التكامل». 

ولفت إلى أنّ هناك «أعداءً لتوسيع العلاقات بين طهران والرياض»، داعيًا إلى تجاوز هذه المحاولات العدائية. كما أعلن «استعداد إيران لمساعدة السعودية في بعض المجالات التي حقّقت فيها طهران تقدُّماً ملحوظاً»، معتبرًا أنّه «من الأفضل للأشقّاء في المنطقة أن يتعاونوا ويساعد بعضُهم بعضًا بدلاً من الاعتماد على القوى الخارجية». 

وفي موازاة ذلك، نقل مكتب المرشد عن وزير الدفاع السعودي، قوله، خلال اللقاء، إنّه «قدِم إلى طهران مكلّفًا بتعزيز العلاقات مع إيران والتعاون في جميع المجالات»، وأعرب عن أمله في أن «تفضي المحادثات البنّاءة إلى علاقات أقوى من تلك التي كانت قائمة في الماضي».

أيضًا، استقبل الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، الوزير السعودي، مؤكّدًا التزام بلاده بتعزيز العلاقات الأخوية مع الدول الإسلامية، وأنّه «بفضل الإرادة المشتركة، يمكن لقادة الدول الإسلامية أن يقدّموا نموذجًا ملهماً للتعايش والازدهار»، مشدّدًا على أنّ «إيران مستعدّة لتوسيع علاقاتها مع السعودية في كلّ المجالات، والعمل على تعميم هذا التعاون ليشمل بقية الدول الإسلامية». 

وفي المقابل، نقلت الرئاسة الإيرانية، عن خالد بن سلمان، قوله إنّ «اتفاق بكين» شكّل بداية لمسار التعاون بين البلدين، وإنّ «سقف العلاقات الثنائية يمكن أن يتجاوزه بكثير». وأوضح الوزير السعودي أنّ «القادة في بلاده يتطلّعون إلى زيارة إيران في أقرب فرصة ممكنة»، مشيراً إلى «تطابق مواقف السعودية وإيران حيال تطورات الأوضاع في غزة وفلسطين».

 

دلالات زيارة وزير الدفاع السعودي لإيران

وفي موازاة ذلك، يُنظر إلى زيارة خالد بن سلمان إلى طهران باعتبارها تطوّرًا لافتًا يحمل دلالات سياسية مهمّة، خصوصًا أنها تتزامن مع اقتراب موعد الجولة الثانية من المحادثات الأميركية - الإيرانية في روما، غدًا. وتعكس ميلاً سعوديًا واضحًا إلى اعتماد التفاوض والدبلوماسية سبيلاً لمعالجة الأزمة النووية الإيرانية، بدلاً من خيار التصعيد العسكري الذي تدفع إليه إسرائيل.

ويبدو أنّ المملكة، وبخلاف موقفها السابق خلال المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاق النووي عام 2015، تنظر بـ«إيجابية» إلى المفاوضات القائمة حاليًا، إذ باتت تدرك أنّها الخيار الأنسب لتجنّب حرب كبرى قد تجرّ المنطقة، ولا سيما الخليج، إلى تصعيد واسع؛ فيما تترقّب الزيارة المتوقّعة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى السعودية الشهر المقبل، والتي يُراد لها أن تشكّل قمّة إعلان «الصفقات الكبرى» في المنطقة، بدءًا من التوصّل إلى اتفاق في غزة، مرورًا بإرساء أُسس اتفاق مع إيران أو على الأقلّ اختطاط مساره، وصولاً إلى إطلاق عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية، في إطار «خطة إقليمية شاملة».

الخبير العسكري والسياسي السعودي، محمد بن صالح الحربي، تحدث عن  أن التقارب السعودي مع إيران رغم أنه خطوة إيجابية، إلا أنه يكشف أن القرارات السعودية "متسرعة، وغير مبنية على دراسات" في إشارة إلى القطيعة التي كانت بين البلدين، على ما يؤكد الناشط عسيري.

وأضاف أنه وفي فترات سابقة عندما علت الأصوات التي تدعم التقارب بين الرياض وطهران كان ولي العهد السعودي يصرح "أنه لا يمكن التفاهم مع إيران".

وتابع الحربي أن إيران دولة جوار وأي خلافات "يجب أن تحل على طاولة المفاوضات" وليس من خلال الحروب بالوكالة أكان في "اليمن أو سوريا أو لبنان"، مشيرًا إلى أن النظام السعودي عليه بناء العلاقات مع الدول بحسب "ما يريده الشعب أولاً، وبحسب ما يقوله الخبراء" ثانيًا، وليس تبعًا "لمزاج الحاكم، والرغبات" الشخصية.

وتعد زيارة الوزير السعودي ثاني زيارة يجريها مسؤول دفاعي رفيع المستوى إلى إيران منذ استئناف العلاقات بين البلدين في سبتمبر 2023.

وفي نوفمبر 2024 أجرى رئيس هيئة الأركان العامة السعودي فيّاض بن حامد الرويلي، زيارة إلى طهران بدعوة من نظيره الإيراني وبحثا "فرص تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في المجال العسكري والدفاعي، بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة".

وفي سبتمبر 2023، عاد التمثيل الدبلوماسي بين السعودية وإيران، لأول مرة منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران في 2016، ثم تم الاتفاق على استئنافها في مارس من العام ذاته. وفي 10 مارس 2023، أعلن البلدان استئناف علاقاتهما الدبلوماسية، عقب مباحثات برعاية صينية في العاصمة بكين.

وكانت السعودية قطعت علاقاتها مع إيران، إثر اعتداءات تعرضت لها سفارة الرياض في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد (شرق)، احتجاجًا على إعدام المملكة رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر، لإدانته بتهم منها "الإرهاب".

رغم التحديات، فإن عودة العلاقات السعودية-الإيرانية تمثل فرصة لتخفيف التوترات في المنطقة وفتح الباب أمام تعاون اقتصادي وأمني يصب في مصلحة شعوب المنطقة. لكن نجاح هذا التقارب يتوقف على مدى التزام طهران باحترام السيادة، وتجنب التدخل في الشؤون الداخلية، والعمل المشترك لحل النزاعات الإقليمية.