في جلسة برلمانية وُصفت بأنها الأسرع في تاريخ مناقشات الموازنات، أقر مجلس النواب، مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2025-2026، وسط اعتراضات نيابية وانتقادات حادة بشأن تضخم الدين العام، وانهيار أولويات الإنفاق الاجتماعي، وتجاوزات دستورية في مخصصات التعليم والصحة.

الموازنة الجديدة التي بلغت مصروفاتها نحو 4.573 تريليونات جنيه، مقابل إيرادات لا تتجاوز 3.119 تريليونات جنيه، تعكس عجزًا ضخمًا يُقدّر بـ1.454 تريليون جنيه (نحو 28.9 مليار دولار)، وهو ما يُنذر بتفاقم الفجوة التمويلية التي توقعت الحكومة أن تتجاوز 70 مليار دولار، بزيادة أكثر من 25% عن العام السابق.

ويأتي تمرير الموازنة بعد أقل من 24 ساعة على بدء مناقشاتها داخل البرلمان، مع قصر الحديث فيها على 70 نائبًا فقط من أصل 596 عضواً، وهو ما اعتُبر خرقًا لمبدأ النقاش العام، خاصة في ظل موازنة تُوصف بأنها الأكثر جدلاً منذ سنوات.
 

نصف المصروفات لخدمة الدين
   بحسب البيانات الرسمية، تُخصص الموازنة الجديدة نحو 2.298 تريليون جنيه لخدمة فوائد الدين فقط، بما يعادل 50.2% من إجمالي المصروفات، ما يضع عبئًا ضخمًا على قدرة الدولة في تلبية الحد الأدنى من الخدمات العامة.

أما دعم الفئات الاجتماعية والقطاعات الحيوية، فجاء محدودًا:

  • 742.5 مليار جنيه للدعم والمنح والمزايا الاجتماعية،
  • 679 مليار جنيه للأجور وتعويضات العاملين،
  • 75 مليار جنيه فقط لدعم الكهرباء،
  • 3.5 مليارات جنيه لدعم توصيل الغاز للمنازل،
  • وجرى تخفيض دعم المواد البترولية بنسبة 51% إلى 75 مليار جنيه فقط.


ضرائب تبتلع 85% من الإيرادات
   كشفت الموازنة عن اعتماد غير مسبوق على الضرائب، إذ تمثل حصيلة الضرائب 2.654 تريليون جنيه، أي نحو 85% من الإيرادات العامة، بينما لم تتجاوز المنح 9.4 مليارات جنيه. في المقابل، تعتزم الحكومة اقتراض 3.575 تريليونات جنيه لتغطية الفجوة التمويلية.

النائب أحمد الشرقاوي أشار إلى "خلل جوهري" في بنية الموازنة، قائلاً إن "الضرائب المحصّلة من الأنشطة التجارية والصناعية لا تتعدى 157 مليار جنيه، فيما تتحمل الطبقات المتوسطة والفقيرة العبء الأكبر عبر الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة".
 

تجاهل دستوري للصحة والتعليم
   على الرغم من النصوص الدستورية التي تُلزم الحكومة بتخصيص 10% من الناتج القومي لقطاعات التعليم والصحة والبحث العلمي، أظهرت الموازنة تجاهلًا واضحًا لهذا الالتزام.

النائبة سناء السعيد اعتبرت أن ما تم تخصيصه للتعليم "لا يحقق الحد الأدنى من تحسين جودة العملية التعليمية أو أوضاع المعلمين"، مشيرة إلى تردي البنية التحتية للمدارس، وتآكل مخصصات التطوير المهني. أما قطاع الصحة، فـ"يعاني من نقص شديد في المستلزمات والأدوية"، فضلاً عن صعوبة العلاج على نفقة الدولة، و"فشل تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل".
 

وزراء يبررون بـ"الظروف" والنواب يتهمون بالعجز
   في محاولة لتبرير الأرقام، قالت وزيرة التخطيط رانيا المشاط إن خطة التنمية وُضعت "في ظروف إقليمية شديدة التعقيد"، وذكرت الحرب الإيرانية – الإسرائيلية كتحدٍ إضافي قد يتطلب مراجعة مؤشرات الخطة لاحقًا.
لكنها وعدت بمعدل نمو اقتصادي يبلغ 4.5% مقارنة بـ2.4% في السنة المالية السابقة.

أما وزير شؤون المجالس النيابية محمود فوزي، فتحدث عن "أوجه إنفاق غير مباشرة" في قطاعات الصحة والتعليم، عبر مؤسسات تابعة للشرطة والجيش والأزهر، وهي تصريحات أثارت انتقادات واسعة لكونها "تلاعبًا بالأرقام" للهروب من الالتزامات الدستورية.
 

حجب مخصصات النواب.. ومكافآت خفية؟
   الموازنة شملت أيضًا إقرار موازنات الهيئات الاقتصادية وعددها 57، إضافة إلى الهيئة القومية للإنتاج الحربي وموازنة مجلس النواب، لكن دون إعلان تفاصيلها.
وأثار هذا التكتم شكوكًا حول محاولة إخفاء زيادات في مخصصات النواب تحت بند "بدلات الجلسات واللجان".
 

توصيات شكلية.. وواقع يزداد هشاشة
رغم مرور الموازنة، أوصت لجنة الخطة والموازنة بعدة نقاط أبرزها:

  • تطوير استراتيجية الدين العام لوضعه على "مسار نزولي"،
  • تطبيق الحد الأدنى للأجور وتعيين العاملين المؤقتين،
  • تحويل الدعم العيني إلى نقدي بعد تدقيق قاعدة بيانات المستحقين،
  • حل مشاكل التصالح في مخالفات البناء،
  • تحسين مناخ الاستثمار وتذليل العقبات أمام القطاع الخاص.

لكن مراقبين اعتبروا هذه التوصيات "تجميلية"، وغير قابلة للتطبيق في ظل سياسة إنفاق عمومية تركز على سداد الديون على حساب القطاعات الخدمية.

وحذر نائب عن "التجمع الوطني" من أن "اعتماد الحكومة المتزايد على الاقتراض وسحب الضرائب من جيوب المواطنين، دون أي تحسن في الخدمات، يُنذر بانفجار اجتماعي لا يمكن التنبؤ بعواقبه".