أثار تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون،الذي نشره باللغة العربية عبر حسابه الرسمي، موجة غضب عارمة في الأوساط العربية.
ماكرون قال: «أنا والسيسي وملك الأردن نتشارك في ضرورة نزع سلاح حماس ونشر بعثة دولية لإرساءالاستقرار في قطاع غزة، مع تعزيز دور السلطة الفلسطينية في القطاع، وذلك لإنهاء الحرب هناك».
هذا الطرح، الذي يتزامن مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وسقوط آلاف الشهداء، أثار تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراءه، خاصة أنه يأتي متناغمًا مع مطالب تل أبيب وأجندة واشنطن.
فما دلالات هذا التصريح؟ ولماذا يراه كثيرون مخططًا لضرب المقاومة الفلسطينية تحت غطاء “السلام”؟
سلاح المقاومة.. خط أحمر لا يمكن تجاوزه
تصريح ماكرون يمثل مساسًا مباشرًا بجوهر القضية الفلسطينية، وهو حق الشعب في المقاومة ضد الاحتلال.
فبدلاً من الضغط لوقف المجازر الإسرائيلية أو محاسبة المسؤولين عن الجرائم، اختار الرئيس الفرنسي الانحياز الكامل إلى خطاب تل أبيب الذي يساوي بين الضحية والجلاد.
الكاتب والمحلل اللبناني سامي خليل اعتبر أن “المطالبة بنزع سلاح حماس ليست سوى تمهيد لفرض الاستسلام الكامل على الفلسطينيين،وهو ما لن تقبله الشعوب العربية ولا فصائل المقاومة”.
ويرى خبراء أن هذه الخطوة تمثل تحديًا للإجماع الشعبي العربي الذي يعتبر المقاومة المسلحة وسيلة مشروعة، طالما بقي الاحتلال قائمًا،وهو ما أكدت عليه المواثيق الدولية.
السيسي.. بكاء أمام الكاميرات وتنسيق في الخفاء
ما يثير السخرية، وفق تعبير نشطاء، هو أن السيسي يخرج أمام الإعلام ليظهر بمظهر الداعم لغزة، بينما يشارك خلف الكواليس في مبادرات تهدف إلى إجهاض المقاومة وتصفيتها سياسيًا وعسكريًا.
المحلل السياسي المصري محمود العجمي يقول:"السيسي يوازن بين خطاب عاطفي أمام الشعب المصري وبين تحركات حقيقية تصب في مصلحة إسرائيل. هذا ليس جديدًا؛ فالقاهرة لعبت نفس الدور في حصار غزة منذ سنوات"، مضيفًا أن الهدف النهائي هو إضعاف أي قوة عسكرية فلسطينية قد تشكل تهديدًا لأمن إسرائيل، بما يخدم استراتيجية التطبيع الإقليمي التي يتبناها النظام المصري.
ردود فعل حركات المقاومة.. رفض قاطع للطرح الفرنسي-المصري
حركة حماس ردّت بلهجة حاسمة على هذه التصريحات،مؤكدة أن سلاح المقاومة غير قابل للنقاش لأنه الضمانة الوحيدة لردع الاحتلال.
المتحدث باسم الحركة حازم قاسم قال:"من يطالب بنزع سلاح المقاومة إما جاهل بحقائق الصراع أو متواطئ مع الاحتلال. هذه الدعوات تخدم مشروع العدو ولن نقبل بها بأي حال من الأحوال".
أما حركة الجهاد الإسلامي، فاعتبرت الطرح الفرنسي-المصري محاولة مكشوفة لـ"إخضاع غزة لمعادلة أمنية تخدم الاحتلال"، مؤكدة أن أي ترتيبات سياسية بعد الحرب يجب أن تبدأ بوقف العدوان ورفع الحصار، لا بتصفيةالمقاومة.
خبراء عرب يهاجمون الطرح ويصفونه بالاستعماري
عدد من المحللين والخبراء في المنطقة وصفوا مبادرة ماكرون بأنها امتداد لنهج الهيمنة الغربية، الذي يحاول فرض الحلول العسكرية والسياسية على الشعوب العربية.
الخبير الأردني أحمد منصور قال:"هذا الطرح ليس مبادرة سلام، بل خطة لتصفية القضية الفلسطينية عبر نزع سلاح المقاومة وتحويل غزة إلى كانتون منزوع السيادة تحت إشراف دولي"، مؤكدًا أن "الشعوب العربية لن تقبل هذه الإملاءات".
أما الباحث العراقي علي الكرخي فأكد أن الموقف الفرنسي يعكس "الانحياز التام لإسرائيل وتجاهل الجرائم اليومية بحق المدنيين في غزة"، مضيفًا أن باريس فقدت أي دور أخلاقي كانت تدعيه في المنطقة.
انعكاسات الطرح على صورة فرنسا والسيسيفي الشارع العربي
التصريحات الأخيرة لماكرون والسيسي لاقت رفضًا واسعًا على المستوى الشعبي العربي، حيث اعتبرها الكثيرون مشاركة في المؤامرة على القضية الفلسطينية.
على مواقع التواصل الاجتماعي، اشتعلت حملات تهاجم فرنسا وتصفهابأنها "شريك في جرائم الاحتلال"، بينما يرى مراقبون أن هذه المواقف تزيد من عزلة الأنظمة الداعمة لإسرائيل عن شعوبها.
الباحث الأردني أيمن المقدسي يؤكد أن"ماكرون والسيسي يلعبان لعبة خطيرة، لأنها تفقدهما الثقة لدى الشعوب العربية، وتدفع باتجاه مزيد من الانقسام بين الحاكم والمحكوم في ظل قضايا تمسّ وجدان الأمة".
وأخيرا وفي ظل استمرار الحرب الإسرائيليةعلى غزة، ومعاناة المدنيين من القصف والتجويع، تأتي تصريحات ماكرون والسيسي وملك الأردن لتضيف مزيدًا من الغضب الشعبي العربي، لأنها تتجاهل الجرائم الفادحة للاحتلال وتستهدف تجريد الشعب الفلسطيني من حقه في الدفاع عن نفسه.
ويبقى السؤال: هل تدرك هذه الأطراف أن المقاومة
ليست خيارًا تنظيميًا، بل خيارًا وجوديًا لشعب يعيش تحت الاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود؟ الأكيد أن هذه المواقف لن تمرّ دون ثمن سياسي، سواء على صورة فرنسا في المنطقة أو على الأنظمة التي تراهن على إرضاء إسرائيل على حساب حقوق الأمة.