بعد عامين من التجميد النسبي لأزمة أهالي حيّ ميناء العريش شمالي شبه جزيرة سيناء، تعود مخاوف التهجير القسري لتخيم مجدداً فوق رؤوس المئات من السكان، مع شروع السلطات في تنفيذ قرارات إزالة جديدة لمنازلهم، رغم اتفاق رسمي سابق قضى بوقف الإخلاء لحين توفير بدائل سكنية مناسبة.
وكان الاتفاق، الذي تم التوصل إليه صيف عام 2023 بين ممثلي الأهالي ووزير النقل كامل الوزير، قد نصّ بوضوح على تجميد أعمال الإزالة بشكل كامل إلى حين بناء مجتمع سكني بديل يليق بالسكان من حيث الموقع والجودة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن بحسب تأكيدات الأهالي.
اتفاق منسي.. وقرارات تمضي بالإخلاء
يقول أحد أعضاء لجنة الدفاع عن المتضررين إن "السلطات بدأت بالفعل تنفيذ المرحلة الرابعة والخامسة من الإزالات، ضاربة بعرض الحائط التعهدات السابقة"، مؤكداً أن اللجنة وثقت مخالفات صارخة لما تم الاتفاق عليه، بما في ذلك عدم التشاور مع السكان مجدداً، وعدم توفير مساكن بديلة حتى اللحظة.
ويضيف المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية: "عُقدت اجتماعات داخل محافظة شمال سيناء في الأسابيع الماضية، بحضور مسؤولين أمنيين وتنفيذيين، لبحث آليات صرف تعويضات مالية للسكان بدلاً من الحل السكني الذي تم الاتفاق عليه". إلا أن تلك التعويضات، كما يقول، "غير عادلة ولا تعوّض القيمة الفعلية للمنازل ولا الموقع المتميّز المطلّ على البحر الأبيض المتوسط".
المنطقة تُصنّف "عسكرية" وعمليات التهجير تستكمل
من جهته، كشف مصدر في مجلس مدينة العريش عن صدور تعليمات جديدة باعتبار الأرض المقامة عليها منازل الأهالي "منطقة عسكرية" تابعة لوزارة الدفاع، وهو ما يعقّد المشهد قانونياً ويمنع الطعن على قرارات الإخلاء أو نزع الملكية.
وأكد المصدر أن "العمل جارٍ على إزالة ما تبقّى من مبانٍ ضمن خطّة تطوير الميناء"، في إطار مشروع قومي لتطوير الموانئ والمطارات في شمال سيناء.
ووفقاً لتقارير رسمية، فإن مشروع توسعة ميناء العريش يتضمن نزع ملكية أكثر من 1100 منزل سكني، و32 منشأة تجارية، و23 مرفقاً حكومياً وخدمياً.
وقد بدأت عمليات الإزالة في المراحل الأولى بالفعل، وسط غضب شعبي واسع واتهامات بـ"انتهاك حقوق الإنسان وتهجير السكان قسرياً".
تعويضات "هزيلة" ومناشدات بلا مجيب
رغم التصريحات الرئاسية المتكررة التي تؤكد على "تعويض الأهالي وتعظيم الاستفادة الاقتصادية من الميناء لصالح الجميع"، يؤكد الأهالي أنّ ما وُعِدوا به لم يتحقّق، إذ وصف معظمهم التعويضات التي طُرحت بأنها "هزيلة" ولا تفي بالخسائر التي تكبدوها، سواء من الناحية المادية أو المعنوية أو الاجتماعية.
وكان أطفال الحيّ قد أطلقوا مقاطع مصوّرة ناشدوا فيها السلطات وقف الإخلاء، مطالبين بعدم حرمانهم من منازلهم ومدارسهم ومجتمعهم، لكن لا يبدو أن تلك الرسائل لامست أي قرار رسمي حتى الآن.
ميناء العريش.. مشروع تنموي أم غطاء للتهجير؟
أُنشئ ميناء العريش عام 1996 كميناء تجاري متوسط القدرات، وظل لسنوات يستخدم لتصدير مواد خام واستقبال سفن صغيرة.
وقد جرى مؤخراً تحويل تبعيته إلى وزارة الدفاع بدلاً من الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، في قرار أثار تساؤلات واسعة حول الدوافع الحقيقية وراء المشروع.
ويشير مراقبون إلى أن الميناء "لا يتمتع بمؤهلات فنية متقدمة"، وكان بالإمكان توسيعه في مناطق أخرى مثل "الكيلو 17" أو التوسع البحري بدلاً من التمدد البري الذي يتطلب إزالة أحياء كاملة، معتبرين أن ما يجري هو "تصفية مبرمجة لمجتمع مدني ساحلي في شمال سيناء".
اللجنة الحقوقية: خطوات للتصعيد
لجنة الدفاع عن المتضررين أكدت أنها بصدد اتخاذ إجراءات تصعيدية سلمية، تشمل تنظيم وقفات احتجاجية نهارية وليلية، إلى جانب مخاطبة منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام ومنصات حقوق الإنسان المحلية والدولية.
وأشارت إلى أن هذه الخطوات تأتي في ظل "تجاهل مؤسسي لمطالبهم المشروعة"، واستمرار الإزالات في غياب العدالة الاجتماعية والإنصاف.
شاهد الفيديو:
https://www.facebook.com/watch/?v=709988252006284