شهدت سواحل البحر الأحمر صباح الخميس الماضي 27 يونيو 2025 مأساة إنسانية جديدة تمثلت في غرق حفار بترول بحري تابع لشركة خدمات بترولية خاصة، مما أسفر عن مصرع شخصين على الأقل وإنقاذ 24 آخرين، فيما لا يزال البحث جارياً عن أربعة مفقودين في ظروف لا تزال غامضة.
وبحسب بيان رسمي صدر عن هيئة موانئ البحر الأحمر، فإن الحادث وقع قبالة سواحل مدينة رأس غارب شمال محافظة البحر الأحمر، في منطقة تعرف بنشاطها البترولي المكثف، حيث كانت منصة الحفر تقوم بأعمال استكشاف ضمن مشروع تابع لوزارة البترول والثروة المعدنية.

 

حفار "نورس 1".. تفاصيل وملابسات الغرق الغامض

الحفار البحري المنكوب، والذي يُعرف باسم "نورس 1"، هو وحدة عائمة تُستخدم في عمليات الاستكشاف والحفر قبالة السواحل.

تشير المعلومات المتاحة إلى أنه حفار من الطراز القديم، يعود تصنيعه إلى تسعينيات القرن الماضي، ولم يخضع لأعمال صيانة دورية كافية في السنوات الأخيرة.

وأفادت مصادر هندسية من داخل القطاع أن هناك تساؤلات فنية حول مدى صلاحية الحفار للعمل في الظروف البحرية الحالية، خاصة في ظل تقادم معداته وتعرضه للتآكل بسبب الأملاح.

وبحسب التحقيقات الأولية، فإن تسربًا مائيًا في إحدى حجرات الطفو تسبب في ميلان الحفار قبل أن يغرق جزئيًا، ما أدى إلى سقوط بعض العاملين في البحر قبل أن تتمكن وحدات الإنقاذ من انتشال معظمهم.

 

سجل أسود لحوادث البترول في عهد السيسي

هذا الحادث ليس الأول من نوعه في عهد النظام الانقلابي في مصر، فقد سبق أن شهدت البلاد العديد من الكوارث المرتبطة بقطاع البترول، أبرزها انفجار خط أنابيب في الشرقية عام 2021، وتسرب نفطي خطير قبالة سواحل رأس شقير في 2022، والذي تم التعتيم عليه إعلاميًا بشكل كبير.

بحسب تقارير حقوقية، فإن معظم تلك الحوادث ترتبط بعوامل مشتركة أهمها غياب الرقابة الحكومية، وتجاهل إجراءات السلامة، والاعتماد على شركات من الباطن لا تلتزم بالمعايير الدولية، وكلها عوامل تضع مسؤولية مباشرة على عاتق نظام عبد الفتاح السيسي الذي يقدم وعوداً براقة بينما يعجز عن حماية أرواح العاملين في أخطر القطاعات.

 

صمت رسمي وغضب شعبي

رغم مرور أكثر من أربعة أيام على الحادث، لم يصدر حتى الآن أي تصريح مباشر من عبد الفتاح السيسي حول الكارثة، بينما اكتفى المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء ببيان مقتضب أكد فيه “متابعة الجهات المعنية للحادث واتخاذ اللازم”.

في المقابل، عبر عدد من الأهالي والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم من التعتيم الإعلامي الذي فرض على الحادث في بدايته، ومحاولة تسويقه كـ"حادث عرضي"، رغم وجود دلائل على إهمال جسيم.

وصرّح المهندس محمد عبد الرازق، أحد الخبراء السابقين في هيئة البترول، بأن "هذا النوع من الحوادث لا يمكن أن يقع إلا نتيجة إهمال في إجراءات التشغيل والسلامة، وتراخي في الرقابة، وهي نتيجة منطقية لسنوات من عسكرة القطاع وتهميش الكفاءات المدنية".

 

أين الرقابة؟ عسكرة قطاع البترول تثير التساؤلات

منذ انقلاب يوليو 2013، شهد قطاع البترول توسعًا كبيرًا في سيطرة الجهات السيادية عليه، خاصة المخابرات والهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

وتشير تقديرات إلى أن أكثر من 40% من مشروعات التنقيب والتوريد يتم إسنادها إلى شركات ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالمؤسسة العسكرية، بعيدًا عن إجراءات المناقصات والشفافية.

ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور علاء البحيري إن “غرق الحفار الحالي لا يعكس فقط مأساة إنسانية، بل يكشف حجم الفساد الإداري الذي يحيط بالمشروعات البترولية، حيث الأولوية لا تُمنح للكفاءة، بل للولاءات والصفقات المغلقة".

 

أرواح ضائعة..

في ظل استمرار عمليات البحث عن المفقودين الأربعة، يبقى السؤال الأهم: من يحاسب المتسببين؟

فقد تحولت حوادث العمل في عهد السيسي إلى مشاهد متكررة، لا تُقابل إلا بتصريحات شكلية دون محاسبة.

وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم يتم الإعلان عن أي لجنة مستقلة للتحقيق، كما لم تُنشر أسماء الضحايا رسميًا، بينما تستمر الجهات الرسمية في محاولة امتصاص الغضب، تُواصل عائلات الضحايا الانتظار وسط ألم وأمل ضئيل في العثور على أحبائهم أحياء.

 

بين غرق حفار وغرق وطن

حادث غرق الحفار في البحر الأحمر ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة الإهمال والانهيار الذي تعانيه الدولة المصرية تحت حكم السيسي، من غرق العبارات إلى انفجار خطوط الغاز، ومن انهيار الطرق إلى غرق المنصات، المشهد يتكرر، والضحايا دائمًا من أبناء الشعب، بينما يختبئ المسؤولون خلف جدران القصور والمكاتب.

هل غرق الحفار هو الأخير؟ أم أنه مجرد إنذار جديد يُضاف إلى سجل نظام يتهاوى على حساب أرواح المصريين؟