في مشهد يعكس انحدارًا مروّعًا في معايير الكرامة الإنسانية، كشفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن شهادات دامية وموثقة من داخل سجن الوادي الجديد، المعروف بين النزلاء بـ"سجن الموت"، تُظهر حجم الانتهاكات الصادمة التي تُمارَس بحق المعتقلين السياسيين.

وتشير الشهادات إلى تعذيب ممنهج يُنفَّذ بأسلوب سادي بشع يُعرف داخل أسوار السجن بـ"حمّام العسل"، وهو تسمية تُخفي وراءها ممارسة تنكيل متعمد، تنضح بالقسوة وتجرد الجناة من أدنى مشاعر الإنسانية، وتُشكّل –بحسب توصيف القانون الدولي– جريمة تعذيب مكتملة الأركان لا تسقط بالتقادم.

هذا النمط من التعذيب النفسي والجسدي يتجاوز حدود الانتهاك ليغوص في عمق الإذلال المقصود، إذ يُستهدف المعتقل في إنسانيته أولًا، وفي جسده ثانيًا، في محاولة لتكسير إرادته وإخماد صوته.

ما يجري داخل هذا المعتقل المعزول لا يعكس فقط وحشية الأجهزة الأمنية، بل يكشف عن منظومة ممنهجة من الإهانة والتجريد واغتيال الكرامة، ما يُعد جريمة أمام القانون والضمير الإنساني، ويستدعي تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان لوضع حد لهذا الجحيم اليومي الذي يُمارس خلف القضبان بعيدًا عن الأعين.

 

تفاصيل "حمّام العسل"

بحسب شهادات موثّقة حصلت عليها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان من داخل جحيم سجن الوادي الجديد، يُمارَس نوعٌ بالغ الوحشية من التعذيب يُعرف بين السجناء باسم "حمّام العسل"، وهو أسلوب تنكيل فجّ يستهدف إذلال المعتقل وسحق آدميته حتى النخاع.

وتُنفّذ هذه الجريمة وفقًا لخطوات مدروسة، تعكس عنفًا متعمّدًا لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة:

  • يُجَرّد المعتقل من جميع ملابسه تمامًا، في انتهاك سافر لخصوصيته وكرامته الإنسانية، ويُكبّل أو يُربَط بأحد الأعمدة.
  • يُطلَى جسده بالكامل بالعسل الأسود، في مشهد مهين ومقزز يُقصد به الإذلال الجسدي والنفسي.
  • يُترك في فناء مكشوف داخل السجن تحت لهيب الشمس، حيث تتجاوز الحرارة في صحراء الوادي الجديد 45 درجة مئوية، فيتحوّل جسده إلى مصيدة ملتهبة للعذاب.
  • يُسكب التراب الساخن فوق جسده المدهون بالعسل، ليلتصق الجلد بالأتربة المحترقة، فتتشكل طبقة لاصقة مؤلمة تشبه الحروق الجلدية الشاملة.
  • يبقى المعتقل لساعات طويلة في هذه الحالة المروعة، يتعرض فيها للسعات الذباب الصحراوي ولدغات الحشرات، فضلًا عن حروق الشمس والجفاف القاتل.
  • تُكرَّر هذه الجريمة بوحشية، إمّا كعقاب لرفض الانصياع، أو بسبب نشاط المعتقل السياسي أو الفكري.

هذا الأسلوب ليس مجرد انتهاك، بل تعذيب متعمد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية، تتطلب فتح تحقيق دولي ومحاسبة كل من أمر وشارك ونفذ، بلا حصانة ولا تساهل.

 

ممارسات تعذيب مروعة

يُعد سجن الوادي الجديد، الكائن في عمق الصحراء الغربية المصرية، من أكثر أماكن الاحتجاز عزلةً وقسوةً على مستوى الجمهورية. فموقعه النائي يجعل الوصول إليه شاقًا للغاية، حيث تعجز عائلات المعتقلين عن زيارته بشكل منتظم بسبب بعد المسافة وغلاء تكاليف السفر، ما يضاعف عزلة المعتقلين ومعاناتهم النفسية. وقد وثّقت منظمات حقوقية محلية ودولية مرارًا الانتهاكات التي تجري داخله، من بينها الحبس الانفرادي المطوّل، الإهمال الطبي المتعمد، والحرمان من الحق في الزيارة.

وفي هذا السياق، أكدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أن ما رصدته من ممارسات تعذيب مروّعة بحق المعتقلين في هذا السجن يشكل انتهاكًا فجًّا للمادة 55 من الدستور المصري، والتي تنصّ على تجريم التعذيب والمعاملة القاسية أو الحاطة بالكرامة، كما يُعد خرقًا واضحًا لقانون الإجراءات الجنائية، وانتهاكًا صريحًا للاتفاقيات الدولية التي التزمت بها مصر، وعلى رأسها اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وطالبت الشبكة في بيانها بـ:

  • فتح تحقيق فوري ومستقل في وقائع التعذيب داخل سجن الوادي الجديد.
  • محاسبة المسؤولين المباشرين وغير المباشرين عن هذه الجرائم.
  • فرض رقابة حقوقية وقضائية دائمة على جميع أماكن الاحتجاز في البلاد.
  • تقديم رعاية طبية ونفسية عاجلة للضحايا.

كما دعت الشبكة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، وبعثة دولية لتقصي الحقائق، إلى زيارة السجون المصرية والوقوف على الانتهاكات المستمرة.

وختمت الشبكة بالتأكيد على أن ما يُعرف داخل السجن باسم "حمّام العسل" ليس مجرد مصطلح ساخر أو حالة معزولة، بل هو جريمة تعذيب متكاملة تُمارَس باسم الدولة. مشددة على أن جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم، وستظل مسؤولية مرتكبيها قائمة أمام العدالة، والتاريخ، والضمير الإنساني.

للاطلاع على التقرير كاملًا من مصدره:

https://web.facebook.com/ENHR2021/?locale=ar_AR&_rdc=1&_rdr#