اختُتمت زيارة رئيس الوزراء الصيني لي تشيانج إلى مصر والتي استمرت يومين، وسط آمال كبيرة لدى القاهرة وبكين في أن تُحقق مصالح اقتصادية متبادلة وتدفع برؤيتهما السياسية في عالم يتغير بوتيرة متسارعة.
في القاهرة، التقى لي بنظيره المصري مصطفى مدبولي يوم الأربعاء، ثم اجتمع برئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي يوم الخميس. تمحورت النقاشات حول العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، إلى جانب التطورات السياسية في المنطقة.
تأتي الزيارة بالتزامن مع استعدادات العاصمتين للاحتفال بمرور 70 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين العام المقبل، ما يُعدّ، وفق مراقبين، مناسبة لدفع التعاون إلى مستويات أوسع.
قالت المتخصصة في الشأن الصيني، رشا كمال: "الصين تولي أهمية كبرى لعلاقاتها مع الدول الإفريقية، لا سيما مصر. ومصر تمتلك مؤهلات تجعلها شريكًا مهمًا للصين، خاصة في إطار مبادرة الحزام والطريق".
شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا ملحوظًا في العقد الأخير، حيث عززت الصين استثماراتها، بينما ترى مصر في بكين شريكًا لتحقيق رؤيتها التنموية الطموحة في مواجهة الهيمنة الغربية. وقد وُقّعت شراكة استراتيجية بين الجانبين عام 2014، وهما أيضًا عضوين في مجموعة "بريكس".
وتحتل مصر موقعًا محوريًا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي ممر تجاري وتنموي تسعى بكين من خلاله لربط نفسها بالعالم عبر استثمارات ضخمة. إلا أن هذه المبادرة تواجه تحديًا من مسار تجاري بديل تقوده واشنطن، يركز على الهند ويستبعد مصر وقناة السويس.
شراكة في مواجهة الأزمة
جاءت زيارة لي بعد مشاركته والسيسي في قمة بريكس بالبرازيل، حيث ناقش الزعيمان تعزيز التجارة بين دول المجموعة باستخدام العملات الوطنية. والتقى محافظا البنكين المركزيين في البلدين في القاهرة للبحث في سبل دعم هذا التوجه، إضافة إلى بحث سبل توسيع وجود البنوك الصينية في مصر والمصرية في الصين، بهدف تسهيل حركة التجارة ورؤوس الأموال.
قالت الدكتورة علياء المهدي، عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابقة: "وجود بنوك صينية في مصر والعكس ضروري لتعزيز التعاون الاستثماري والتجاري باستخدام العملات المحلية".
لكنّ طموح مصر يتجاوز ذلك، فهي ترى في الصين طوق نجاة من أزمتها الاقتصادية الحادة. دعا السيسي خلال لقائه لي إلى تنفيذ اتفاق تبادل الديون، وهو اتفاق كانت مصر قد وقّعته مع الصين في أكتوبر 2023، في إطار محاولاتها لتخفيف عبء الديون المتصاعدة، إذ تدين لمصلحة بكين بنحو 8 مليارات دولار.
كما دعا السيسي إلى توجيه الاستثمارات الصينية نحو قطاعات الأولوية مثل الطاقة المتجددة وصناعة السيارات الكهربائية، إلى جانب دعوته لتشجيع السياحة الصينية، إذ استقبلت مصر في 2023 نحو 300 ألف سائح صيني، وهي نسبة مرشحة للزيادة، خاصة أن قطاع السياحة يُمثل 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل به 1.6 مليون مصري.
نفوذ سياسي متزايد
تعكس زيارة لي أيضًا رغبة الصين في تعزيز نفوذها السياسي الإقليمي، في تنافسها مع قوى عالمية أخرى. أبدى رئيس الوزراء الصيني استعداد بلاده للتعاون مع مصر في تخفيف الأزمة الإنسانية في غزة، والعمل على تسوية شاملة للقضية الفلسطينية.
قالت رشا كمال: "لطالما اتبعت الصين دبلوماسية هادئة، لكنها في العقد الأخير بدأت تتبنى دبلوماسية نشطة لحماية مصالحها التجارية".
وقد لعبت الصين دورًا سياسيًا لافتًا في المنطقة مؤخرًا، خصوصًا برعايتها لاتفاق المصالحة بين السعودية وإيران في مارس 2023، ومحاولاتها توحيد الفصائل الفلسطينية في إطار جهود تسوية الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.
وصرّح لي أن الصين ستعمل مع مصر على تعزيز نظام عالمي متعدد الأقطاب وعادل، وعلى دعم عولمة اقتصادية شاملة ومربحة للجميع، إلى جانب تعزيز التعاون الصيني العربي والإفريقي.
استثمار أم تغوّل؟
الاستثمارات الصينية تنتشر في معظم قطاعات الاقتصاد المصري، من مشاريع البنية التحتية إلى المنطقة الصناعية الصينية في محور قناة السويس، التي تُعدّ رمزًا للشراكة المتزايدة بين البلدين.
لكن هذه الاستثمارات أثارت قلقًا لدى بعض المصريين، إذ يرى البعض أن دخول الصين إلى صناعات محلية قد يُشكّل تهديدًا للمنافسة العادلة. يظهر ذلك بوضوح في منطقة تصنيع الرخام جنوب القاهرة، حيث أدت المنافسة الصينية إلى تراجع نشاط الشركات المصرية.
قال الخبير الاقتصادي يسري الشرقاوي للتلفزيون المصري: "الصين تأتي إلى الدول الإفريقية بكل أدوات الاستثمار من معدات وأيدٍ عاملة، ما يجعل الاستفادة للدول المضيفة محدودة".
ودعا إلى صياغة معادلة استثمارية تحقق منفعة متبادلة وتُساعد مصر في تحقيق أهدافها الاقتصادية.
في ظل الأزمات الاقتصادية، تسعى القاهرة إلى تعميق شراكتها مع بكين، مستفيدة من النفوذ الصيني المتزايد في العالم، ومستخدمة هذه العلاقة كورقة تفاوضية على الساحة الدولية، بينما تبقى أعين المصريين مفتوحة على ما إذا كان هذا التعاون سينعكس إيجابًا على الاقتصاد المحلي أم يُفاقم التبعية.
https://www.newarab.com/news/despite-concerns-egypt-aspires-more-cooperation-china