كتبت فاطمة أبو الأسرار مقال نشره موقع أتلانتيك كاونسل، ويسلط الضوء على انهيار منظومة الردع البحرية في البحر الأحمر مع تصاعد التنسيق بين قوى كبرى كإيران والصين وروسيا.
وجهت مدمرة صينية في 2 يوليو 2025 شعاع ليزر نحو طائرة استطلاع ألمانية فوق البحر الأحمر خلال دورية ضمن عملية "أسبيذيس" الأوروبية، ما أجبر الطائرة على العودة إلى القاعدة. أنكرت بكين الواقعة، مدعية أن سفنها لم تكن في البحر الأحمر. لكن مشاركة السفن ذاتها قبل أربعة أشهر في تدريبات بحرية مشتركة مع روسيا وإيران في خليج عُمان تشير إلى نمط تصعيد منسق لا يستهدف ألمانيا وحدها بل الوجود الغربي كله.
شهد نفس الأسبوع تصعيدًا أعنف، إذ أغرق الحوثيون سفينتين تجاريتين وأسروا بحارة، معظمهم فلبينيون. أظهر التسجيل المصوّر لحظة صعود الحوثيين على متن سفينة "ماجيك سيز" وتفخيخها وهم يرددون شعارات معادية لأمريكا وإسرائيل.
لم يظهر هذا التصعيد فجأة، بل شغل فراغًا خلّفته حسابات غربية خاطئة كاتفاق ستوكهولم عام 2018، الذي مكّن الحوثيين من السيطرة على موانئ حيوية. فضّل الغرب الاحتواء على المواجهة، ما منح إيران ووكلاءها مساحة لتعزيز نفوذهم.
أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مارس 2025 "عملية رايدر الخشنة" للقضاء على هجمات الحوثيين، بعد فشل الأدوات الناعمة. رغم استخدام قوة نارية هائلة، لم تحقق العملية هدف الردع، وتكبدت الولايات المتحدة خسائر مالية وعسكرية كبيرة، ما دفعها لعقد هدنة غير متوازنة مع الحوثيين: التوقف عن مهاجمة السفن الأمريكية مقابل السماح لهم بمواصلة استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل.
جاءت الهدنة نتيجة ضغط داخلي وسياسي متزايد في واشنطن، لكنها عكست حدود العمل الأحادي في صراعات غير متناظرة، وثبّتت واقعًا جديدًا يقبل باستهداف انتقائي ويشرعن الإرهاب البحري.
شكّل التحالف بين إيران والصين وروسيا محورًا لتقويض الهيمنة الغربية دون الحاجة إلى تنسيق مركزي. امتنعت بكين وموسكو عن التصويت على قرار مجلس الأمن 2787 بشأن هجمات الحوثيين، لتكشف الفجوة بين التصريحات العلنية والسياسات الفعلية.
في هذا السياق، برزت قدرات الحوثيين التقنية بدعم إيراني وصيني. حولوا سفينة "جالاكسي ليدر" إلى رادار عائم يتعقب حركة الملاحة. واستوردوا خلايا وقود هيدروجينية صينية لتمكين طائراتهم المسيّرة من مدى أطول وبصمة حرارية منخفضة. وصلت هذه المكونات عبر خداع جمركي، مما مكّن الحوثيين من استخدام تكنولوجيا لم يسبق لأي فاعل غير حكومي استخدامها.
دعمت الصين هذه القدرات بمواد تدخل في تصنيع 260 صاروخًا متوسط المدى، تحت غطاء "تجارة طبيعية". بهذا، استغلت بكين ثغرات النظام التجاري الدولي لتعزيز نفوذها. وتواصلت شخصيات حوثية مع مسؤولين صينيين وروس لضمان عدم استهداف سفنهم.
أما روسيا، فدعمت الحوثيين بمعلومات استخبارية عبر الحرس الثوري الإيراني، ونقلت إليهم أقمارًا صناعية وعتادًا عسكريًا، بما في ذلك أسلحة خفيفة وصواريخ مضادة للدروع. هذا الدعم يعكس استعداد موسكو لتغذية الفوضى مقابل إضعاف الغرب.
في ظل ذلك، برزت الحاجة إلى مراجعة شاملة للسياسات الغربية. يجب دمج الجهود الأمريكية والأوروبية تحت قيادة موحدة، وتوسيع التعاون الاستخباراتي ليشمل حلفاء آسيويين لكسر السردية الصينية عن صراع شرق-غرب.
كذلك، ينبغي ربط الابتزاز البحري بالمنافسة الجيوسياسية الكبرى. فالهجمات تخدم مصالح طهران في توسيع النفوذ، ومصالح بكين في تأمين التجارة، ومصالح موسكو في تشتيت موارد الغرب. الحوثيون ليسوا مجرد حركة محلية، بل قوة إيرانية في مهمة استراتيجية لفرض السيطرة على باب المندب، بعد مضيق هرمز.
تدرك القوى المعادية أن الردع الغربي لم يعد تلقائيًا. فخلال عشرة أيام من التصعيد في يوليو، قوّضت إيران والصين وروسيا الهيمنة البحرية الغربية دون تجاوز خطوط الرد. أدرك الخصوم أن الضغط والتشويش كافيان لخلق فراغ يملؤونه دون قتال مباشر.
الرهان الروسي على قاعدة بحرية دائمة في البحر الأحمر يعكس قناعة بأن السيطرة الغربية لن تعود. ما لم تدرك الديمقراطيات أن التردد خيار يُفسَّر كضوء أخضر، ستتكرر هذه الفجوات ويُعاد رسم خرائط النفوذ بعيدًا عن إرادتها.