دخل المعتقل المصري محمد علام، المعروف بلقب "ريفالدو"، في إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجًا على ما وصفه ذوو المعتقل ومحاموه بـ"التعذيب الجسدي والنفسي الممنهج" الذي يتعرض له، فضلًا عن تغريبه القسري إلى سجن المنيا شديد الحراسة، أحد أسوأ السجون المصرية في سجل الانتهاكات الحقوقية.

تأتي صرخة علام في وقت تتزايد فيه المؤشرات على تدهور أوضاع المعتقلين السياسيين في مصر، وتحديدًا داخل سجن المنيا، وسط اتهامات للسلطات باستخدام سياسة الإهمال الطبي، والحرمان من التواصل، والعزل الانفرادي كأساليب قمعية لإسكات أي صوت معارض.

 

من هو محمد علام؟

محمد علام، الذي اشتهر بين أصدقائه ونشطاء حقوق الإنسان باسم "ريفالدو"، ناشط شبابي معروف بمشاركته في الفعاليات الطلابية السلمية عقب ثورة يناير، كما أنه من المهتمين بالتدوين والنشاط المدني، ويعد من ضمن عشرات الشباب الذين تعرضوا لحملات اعتقال تعسفي منذ منتصف العقد الماضي.

اعتُقل علام سابقًا في أكثر من مناسبة، لكن اعتقاله الأخير جاء وسط موجة أمنية واسعة في بداية 2024، على خلفية منشورات وتعبير عن رأي على مواقع التواصل الاجتماعي، وفقًا لتقارير حقوقية.

وقد وُجهت إليه اتهامات فضفاضة معتادة مثل “الانضمام إلى جماعة محظورة” و”نشر أخبار كاذبة”، دون أدلة ملموسة.

 

نقل قسري إلى سجن المنيا شديد الحراسة

في خطوة فُسرت من قبل الحقوقيين كعقوبة إضافية، قامت وزارة الداخلية مؤخرًا بتغريب محمد علام من محبسه السابق إلى سجن المنيا شديد الحراسة، دون إخطار ذويه أو محاميه، وهو إجراء اعتادته السلطات مع المعتقلين النشطاء لإخضاعهم للمزيد من القمع.

وقالت أسرته إن نقله تم بعد تقديمه شكوى ضد سوء المعاملة داخل السجن، الأمر الذي ردت عليه السلطات بعزله في زنزانة انفرادية ومنعه من التريض أو الزيارة أو إدخال الأدوية والمستلزمات الأساسية.

 

الإضراب.. السلاح الأخير

لم يجد محمد علام وسيلة للتعبير عن رفضه للانتهاكات سوى الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام منذ أيام، وهو ما أكدته منظمات مثل "نحن نسجل" و"الشبكة المصرية لحقوق الإنسان".

ووفقًا للمصادر، فإن ريفالدو في حالة صحية متدهورة، ويعاني من ضعف شديد بسبب عدم تلقيه التغذية المناسبة أو الرعاية الصحية، في وقت تمارس فيه إدارة السجن ضغوطًا عليه لكسر إضرابه، دون الاستجابة لأي من مطالبه.

 

سجن المنيا.. شهادة حية على الانتهاكات

سجن المنيا شديد الحراسة يُعرف بين الأوساط الحقوقية بـ"جهنم السجون المصرية"، وسبق أن وُثقت فيه عشرات الانتهاكات الجسيمة ضد المعتقلين، بما في ذلك:

  • العزل الانفرادي لفترات تتجاوز الشهور، في زنازين ضيقة دون إضاءة أو تهوية.
  • المنع من الزيارة والتواصل مع العائلة والمحامين، في مخالفة للدستور والقانون المصري.
  • التعذيب البدني والنفسي عبر الضرب المبرح، والصعق بالكهرباء، والحبس داخل غرف غير آدمية.
  • الإهمال الطبي، حيث شكا كثير من المعتقلين من عدم صرف الأدوية المزمنة أو عرضهم على أطباء.

ووفق تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية، فإن سجن المنيا بات رمزًا لسياسات الانتقام السياسي من المعتقلين، وخاصة أولئك الذين يحظون باهتمام إعلامي أو دعم شعبي.

 

ردود الفعل الحقوقية

أصدرت منظمات عدة بيانات عاجلة تطالب بالإفراج الفوري عن محمد علام، أو على الأقل نقله إلى مستشفى لتلقي العلاج، وضمان حقوقه القانونية والإنسانية داخل السجن. كما حمّلت السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن حياته في ظل الإضراب.

ومن بين هذه المنظمات:

  • المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
  • مؤسسة حرية الفكر والتعبير
  • الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (المجمدة حاليًا)
  • نحن نسجل
  • المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا

 

قضية أوسع من شخص

قضية محمد علام، وإن كانت فردية في ظاهرها، إلا أنها تعكس أزمة أوسع يعاني منها آلاف المعتقلين في السجون المصرية، والذين يُحتجزون لسنوات دون محاكمات أو بناءً على محاكمات غير عادلة، وسط صمت رسمي وتعتيم إعلامي.

الناشط رامي شعث، الذي خرج من المعتقل قبل سنوات، وصف ما يجري في سجن المنيا بـ"نظام تعذيب ممنهج"، مضيفًا أن "أي سجين سياسي يتم إرساله إلى هذا السجن يُعتبر كأنه حُكم عليه بالإعدام البطيء".

 

صرخة من زنزانة مظلمة

في ظل استمرار الإضراب وتدهور الحالة الصحية لـ"ريفالدو"، يتجدد السؤال عن مدى التزام السلطات بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها، وعن حدود الصبر الدولي تجاه ما يجري في سجون البلاد من انتهاكات مروعة.

ويبقى الصوت الوحيد لمحمد علام هو صمته داخل الزنزانة، حيث لا يملك سلاحًا سوى جسده، ولا صوتًا سوى الإضراب، في وقت يواجه فيه المجتمع المدني تضييقًا غير مسبوق على أي محاولة لإنقاذ الضحايا أو مجرد نقل الحقيقة.