تشهد مصر موجة جديدة من القرارات الاقتصادية المثيرة للجدل، إذ تبحث حكومة عبدالفتاح السيسي، فرض زيادات كبيرة على أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي ابتداءً من الشهر المقبل، في خطوة تقول إنها ضرورية لتغطية الأعباء المالية المتزايدة، بينما يحذر خبراء الصناعة والزراعة من تداعياتها العميقة على التضخم، وتراجع القدرة التنافسية للمنتجات المحلية، وزيادة الضغط على المواطنين في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة.
الكهرباء: زيادات متفاوتة ورفع الدعم تدريجياً
وفقاً لمصادر حكومية، تدرس وزارة الكهرباء رفع أسعار شرائح الاستهلاك خلال أغسطس الجاري، على أن يبدأ التطبيق على فواتير سبتمبر 2025. وتشمل المقترحات زيادة تتراوح بين 15% و30% للفئات الأقل استهلاكاً، وتصل إلى 45% للشريحة العليا التي يتجاوز استهلاكها 1000 كيلوواط/ساعة شهرياً.
الهدف، بحسب المسؤولين، هو تقليل الفجوة بين التكلفة الفعلية وسعر البيع، تمهيداً لإلغاء الدعم نهائياً بحلول العام المالي 2028/2029، مع تجنب العودة لخطط تخفيف الأحمال وضمان استمرار الإمدادات.
هذه الزيادة ستكون الثانية خلال عام واحد، بعد رفع الأسعار في أغسطس الماضي بنسب تراوحت بين 14% و46% حسب القطاعات.
الغاز الطبيعي: الزيادة المرتقبة تضرب الصناعات الثقيلة
في موازاة ذلك، يترقب المصنعون إعلان الحكومة عن رفع أسعار الغاز للمصانع بنسبة 15% إلى 20% اعتباراً من سبتمبر المقبل، في إطار خطة متفق عليها مع صندوق النقد الدولي لإلغاء الدعم على المحروقات نهاية 2025. وتشمل القطاعات المستهدفة مصانع الأسمدة، البتروكيماويات، الحديد، مواد البناء، ومحطات الكهرباء.
تأتي الخطوة وسط ارتفاع غير مسبوق في فاتورة استيراد الغاز المسال، التي بلغت نحو 20 مليار دولار للعام المالي 2025/2026، وزيادة أسعار التوريد من الشركاء الأجانب والغاز المستورد من الاحتلال الاسرائيلي بنسبة 30% خلال شهري يوليو وأغسطس.
خطط الحكومة والتكلفة الاقتصادية
تشير بيانات وزارة البترول إلى أن متوسط تكلفة استيراد الغاز من إسرائيل يبلغ 7.64 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وهو قريب من تكلفة الإنتاج المحلي، بينما تصل تكلفة الغاز المسال المستورد إلى نحو 12 دولاراً.
وتدرس لجنة تسعير المحروقات ثلاثة سيناريوهات:
رفع السعر إلى 7 دولارات مع استمرار دعم جزئي.
رفعه إلى 8 دولارات على مراحل خلال 6-9 أشهر.
ربطه بمتوسط أسعار الاستيراد بين 6.5 و9 دولارات.
التحذيرات: التضخم وتراجع التنافسية
يرى اتحاد الصناعات أن أي زيادة تتجاوز 1.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية ستفقد المصانع القدرة على المنافسة في التصدير، خاصة في قطاع الأسمدة لصالح الأسواق الخليجية.
كما يتوقع اقتصاديون أن ترفع الخطوة التضخم السنوي بين 0.5% و1.2%، مع زيادات متوقعة في أسعار الحديد (800-1200 جنيه للطن)، والأسمنت (60 جنيهاً)، والأسمدة (2000 جنيه).
ويحذر المنتجون الزراعيون من أن ارتفاع تكاليف الأسمدة والري سيجبرهم على رفع أسعار المحاصيل أو تقليص المساحات المزروعة، ما يهدد الأمن الغذائي ويزيد أعباء المستهلكين.
بين ضغوط التمويل واحتقان الشارع
بينما تؤكد الحكومة أن هذه القرارات ضرورية لضمان استمرارية إمدادات الطاقة وتقليل العجز المالي، يرى منتقدون أن توقيت الزيادة، في ظل الركود وضعف الطلب المحلي، سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وزيادة الضغوط الاجتماعية، خاصة على الشرائح الفقيرة والمتوسطة التي تضررت بشدة من موجات الغلاء المتلاحقة.