قال رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي الذي عُقد عقب اجتماع مجلس الوزراء بالقاهرة، 13 أغسطس 2025: «الدولة حريصة على ضمان حرية التعبير وعرض الرأي والرأي الآخر، عشان المواطن يكون مطلع على زوايا الموضوعات ولا تكون هناك غلبة لرأي معين».
التصريح جاء في سياق حديث عن «خارطة طريق» لتطوير الإعلام وبناء منظومة إعلامية جديدة، ونُشر على صفحات الحكومة ووسائل الإعلام المحلية
سياق التصريح وتأريخه
العبارة وردت في مؤتمره الصحفي الأسبوعي في القاهرة، 13 أغسطس 2025، بعد اجتماع لمجلس الوزراء وتبعاً لتوجيهات رئاسية ولقاء للرئيس مع رؤساء الهيئات الإعلامية قبله بأيام.
التصريحات الرسمية ربطت هذا الكلام بتوجيهات من قمة السلطة للحفاظ على "تعددية" مزعومة داخل المنظومة الإعلامية الوطنية. (
على الورق، تبدو التصريحات كخطاب إصلاحي: وعود بـ«إتاحة الآليات» و«عرض كل الآراء». لكن الواقع العملي يُظهر مفارقة صارخة: منظمات حقوقية رصدت موجات ملاحقات قضائية واعتقالات للصحفيين والنشطاء خلال السنوات الأخيرة، وتوثيقاً عمرانياً يُظهر أن مصر ما زالت تحتل مراتب متدنية في مؤشرات حرية الصحافة وحرية التعبير. التقارير تؤكد استمرار ملاحقات تستهدف الأصوات المستقلة، ما يجعل عبارة «حريصون على حرية التعبير» أقل مصداقية بالنسبة لعدد لا يستهان به من المصريين والمراقبين الدوليين.
تأثير القيود على المجتمع والاقتصاد
قمع حرية التعبير لا يضر بالحقوق المدنية فحسب، بل ينعكس اقتصادياً واجتماعياً: شفافية أقل، ومساءلة أقل لمسؤولي السياسات الاقتصادية، ما يؤدي إلى سياسات تُنفّذ دون مراجعة حقيقية، حتى من جانب الخطاب الرسمي، قدّم مدبولي نفسه أرقاماً اقتصادية استُخدمت لتبرير السياسات: أشار خلال المؤتمر نفسه إلى تراجع معدل التضخم لشهر يوليو 2025 الذي قُدِّر بـ13.1% كمؤشر إيجابي، رقم مفيد لشرعنة السياسات الاقتصادية، لكنه لا يعكس بالضرورة الخسائر في الدخل الحقيقي للمواطنين أو ارتفاع كلفة المعيشة منذ تحرير سعر الصرف في السنوات الماضية
أمثلة رقمية وتواريخ بارزة — تضييق المجال العمومي
خلال السنوات الماضية (2019–2025) ظهرت موجات من القوانين واستخدام نصوص «الأمن القومي» و«مكافحة الإرهاب» لتقييد العمل الإعلامي والسياسي؛ تقارير حقوقية دولية تحدثت عن موجات ملاحقات قضائية في 2023 و2024 وصولاً إلى 2025، وذكرت المنظمة أن نسبة المعتقلين من الصحفيين ضمن حالات الاحتجاز عالميّاً بقيت مرتفعة بالنسبة لمصر.
هذه الأرقام والتواريخ تُبيّن أن اللغة الرسمية عن "حماية التعبير تصطدم بسجل عملي طويل من القيود والإجراءات القمعية. (
من قال WHAT دمج تصريحات السياسيين بين السطور
لا يقتصر الخطاب الرسمي على تصريحات مدبولي فقط؛ ففي 10 أغسطس 2025، أكد قائد الانقلاب لعسكرى عبد الفتاح السيسي "التزام الدولة الراسخ بإعلاء حرية التعبير" خلال لقاءات رسمية وبيانات، وهو ما تكرر وتداولته وكالات الأنباء المحلية، لكن عندما تُرجَم هذه التصريحات إلى سياسات وممارسات، فإن الاختبار الحقيقي هو ما إذا كانت السلطات تتراجع عن ملاحقات تحرّشية ضد الصحفيين أو تفرج عن معتقلين سياسيين؛ وعلى أرض الواقع لم يطرأ تغيير جوهري يُشاهد من قبل منظمات حقوق الإنسان.
نتائج القيود
النتيجة العملية لِسِنّ القوانين وفرض القيود كانت تفريغ ساحات النقاش العام: أحزاب معارضة مشلولة، نشطاء في منفى رقمي أو داخل السجون، وصحافة مقيدة أو مُذعنة.
هذا المناخ خلق فراغ رقابي سمح بتراكم أزمات اقتصادية وإدارية دون مساءلة حقيقية، وزيادة شعور الجمهور بالاغتراب عن المؤسسات.
التقارير الدولية تشير إلى أن هذا النمط من الإدارة يُكلّف الدولة ثقة الجمهور والاستثمار الاجتماعي، وهو ما ينعكس لاحقاً على الأداء الاقتصادي والاجتماعي.(
لماذا العبارة مثيرة للسخرية في هذا السياق
أن يكرر رئيس الوزراء أن "الدولة حريصة على ضمان حرية التعبير" بينما تستمر ملاحقات المنتقدين وصمت آليات المحاسبة يجعل العبارة أقرب إلى بروباغندا تهدف لإنقاذ صورة النظام داخلياً وخارجياً.
النبرة التكرارية للوعود بهذه الحرية على لسان القمة التنفيذية (السيسي، مدبولي) تُستعمل كحجاب خطابي في وقت لا تتغير فيه أدوات القمع أو تُراجع ممارساتها بشكل ملموس.
توصيات رمزية للمواطن والقارئ
تصريح مدبولي في القاهرة، 13 أغسطس 2025، يمكن اعتباره اختباراً للصدق السياسي: هل ستكون هذه الكلمات بداية لخطوات ملموسة تتضمن الإفراج عن معتقلين، إلغاء قوانين تقيد الإعلام، وتطبيق آليات مستقلة للمحاسبة؟ أم أنها ستبقى عبارة طيّارة تُستخدم لغسل صورة منظومة إعلامية متورطة في تكميم الأصوات؟ على القارئ والمراقب متابعة مؤشرات ملموسة (حالات إطلاق سراح، إلغاءات تشريعية، تغيّر سلوك النيابات والقضاء) قبل قبول أي خطاب رسمي في هذا الشأن.