لم يكن أهالي مركز الطود في محافظة الأقصر يتوقعون أن ينقلب ليل الفرح إلى مأتم ثقيل يغرق البلدة في الحزن. فقد تحولت زفة عروسين إلى حادث مأساوي أودى بحياة 4 أشخاص وأصاب 5 آخرين بجروح خطيرة، بعدما انقلبت سيارة تقل بعض المشاركين في الزفة. مشهد الصراخ والدموع امتزج مع صوت الطبول والمزمار، في صورة مأساوية تلخص كيف يمكن لفرحة المصريين أن تتحول بين لحظة وأخرى إلى فاجعة.

هذا الحادث ليس الأول من نوعه، بل هو حلقة جديدة في سلسلة طويلة من المآسي التي تعكس واقعًا مريرًا من الإهمال المروري، الطرق غير الآمنة، وضعف الاستعدادات الطبية والإسعافية.

 

تفاصيل الحادث.. فرحة لم تكتمل

بحسب روايات الأهالي، كانت الزفة تسير بشكل طبيعي، حيث تجمعت السيارات والدراجات النارية خلف سيارة العروسين، وبدأ المشاركون يطلقون الزغاريد ويشعلون الألعاب النارية. لكن إحدى السيارات المحملة بالشباب فقد سائقها السيطرة بسبب السرعة الزائدة، ما أدى إلى انقلابها عدة مرات وسط الطريق. سقط أربعة من الشباب صرعى في الحال، فيما أصيب خمسة آخرون بجروح متفاوتة، نُقلوا إلى المستشفى في حالة صعبة.

الزفة توقفت، والفرح انقلب إلى صرخات وأحزان، فيما تحولت الأغاني إلى بكاء على من رحلوا.

 

غياب الرقابة المرورية.. سبب متكرر

حادث الأقصر يفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات حول غياب الرقابة المرورية في مثل هذه المناسبات. فالزفات غالبًا ما تتحول إلى استعراضات خطرة: سيارات تسير بسرعة جنونية، دراجات نارية بلا تراخيص أو خوذات، إطلاق ألعاب نارية وسط الطرق العامة. كل ذلك يحدث في ظل غياب تام لوجود شرطي أو كمين مرور، وكأن الدولة تغض الطرف عن هذه التجاوزات التي تهدد حياة المواطنين.

وفي بلد يشهد واحدًا من أعلى معدلات حوادث الطرق في العالم، يصبح غياب الإجراءات الوقائية دليلًا على إهمال مؤسسي، لا مجرد خطأ فردي.

 

حوادث مشابهة.. التاريخ يعيد نفسه

ما حدث في الأقصر يعيد للأذهان عشرات الحوادث المماثلة:

في عام 2023، شهدت محافظة سوهاج حادث انقلاب ميكروباص كان يقل عائلة بأكملها في طريق عودتهم من حفل زفاف، ما أسفر عن مصرع 7 أشخاص دفعة واحدة.

وفي 2022، لقي 5 أشخاص مصرعهم وأصيب آخرون في حادث تصادم بين سيارات زفة في محافظة المنوفية.

حتى في العاصمة القاهرة، تحولت زفة إلى مأساة حين اصطدمت سيارة مسرعة بموكب فرح في طريق صلاح سالم، ما أوقع ضحايا ومصابين.

كلها حوادث تشترك في العوامل ذاتها: التهور المروري، ضعف الرقابة، ورداءة الطرق. لكن الأهم أن الدولة لم تتخذ أي خطوات جادة للحد منها، لتظل المآسي تتكرر بنفس التفاصيل، وكأن الدماء التي تسيل لا تكفي لإيقاظ الضمير العام.

 

الطرق.. شوارع للموت

جزء كبير من المأساة يرتبط بواقع الطرق المصرية التي كثيرًا ما توصف بأنها "طرق للموت". فالطرقات الداخلية بين القرى والمدن تعاني من تهالك شديد، غياب الإضاءة الكافية، انتشار الحفر والمطبات، وغياب العلامات المرورية. ومع السرعة الزائدة أو سوء حالة السيارات القديمة، تتحول هذه الطرق إلى مصيدة موت للمواطنين.

ورغم الدعاية الضخمة التي يطلقها النظام حول "إنجازات في البنية التحتية"، فإن الحوادث اليومية على الطرق الريفية والصحراوية تثبت أن تلك الإنجازات محدودة النطاق، لا تصل إلى حياة البسطاء في القرى والصعيد.

 

المستشفيات العاجزة.. مأساة تتضاعف

لم تتوقف الكارثة في الأقصر عند لحظة الحادث، بل تواصلت في المستشفى المحلي الذي استقبل المصابين. فالمستشفى يعاني من نقص حاد في الأجهزة الطبية وأطقم الأطباء، مما جعل إنقاذ بعض المصابين أمرًا بالغ الصعوبة. الأهالي الذين هرعوا للتبرع بالدم أو لمساعدة الضحايا اصطدموا بواقع مرير: غياب تجهيزات كافية للتعامل مع الإصابات الحرجة.

وهكذا، يتحول حادث مروري إلى مأساة أكبر بسبب ضعف المنظومة الصحية، لتصبح حياة المواطن المصري رخيصة في كل المراحل: من الطرق غير الآمنة، إلى الإسعاف المتأخر، وصولًا إلى مستشفيات عاجزة.

 

أفراح تتحول إلى أحزان.. انعكاس لأزمة اجتماعية

تحول الزفات إلى مآتم لم يعد مجرد حوادث عابرة، بل أصبح يعكس أزمة اجتماعية أوسع. ففي ظل الفقر وضغوط المعيشة، يجد الشباب في الأفراح متنفسًا وحيدًا للفرح، لكن هذا الفرح سرعان ما ينقلب إلى حزن بسبب الإهمال. إنها صورة تختزل واقع المصريين: فرح ناقص، حياة محفوفة بالمخاطر، ودولة غائبة عن حماية أبنائها.

 

أين المسؤولية؟

يبقى السؤال الذي يردده الأهالي: من المسؤول عن هذه الكوارث المتكررة؟ هل هم السائقون الذين يتهورون في القيادة؟ أم غياب الشرطة والرقابة؟ أم النظام الذي يهمل البنية التحتية والصحة العامة؟

الحقيقة أن المسؤولية مشتركة، لكن العبء الأكبر يقع على عاتق الدولة التي تملك الإمكانيات والقدرة على فرض القانون وتطوير الطرق والمستشفيات. غير أن النظام الحاكم يختار أن يوجه موارده إلى مشاريع استعراضية لا تمس حياة المواطن المباشرة، تاركًا الناس لمصيرهم.

وفي النهاية فإن حادث الأقصر المأساوي ليس استثناءً، بل هو مرآة لواقع مأزوم يعيش فيه المصريون يوميًا. أفراح تتحول إلى مآتم، دماء تُراق بلا حساب، وأسر تفقد أعز ما تملك في لحظة. وبينما تكتفي الدولة بالتصريحات، يظل المواطن البسيط هو الخاسر الأكبر، الذي يحلم بفرحة كاملة، لكنها لا تكتمل أبدًا في ظل طرق متهالكة، منظومة صحية ضعيفة، وإهمال رسمي متواصل.