انتهت قصة رفضٌ شجاعٌ للابتزاز إلى مأساة، حيث لفظَ المواطن حازم فتحي أنفاسه داخل محبسه في قسم شرطة نجع حمادي بمحافظة قنا، بعد خمسة أشهر من توقيفه على خلفيّة مشاجرةٍ داخل سوبر ماركت يمتلكه، قيل إنّ أحد الضبّاط اقتحمه وطالب ببضائع «على الحساب».
وبين روايةٍ شعبيةٍ تتحدّث عن ابتزازٍ واستقواءٍ بالسلطة، وروايةٍ رسميّةٍ تتّهم الضحيّة بالاعتداء على ضابط، تبرز حقيقةٌ أقسى.
وتظهر الواقعة أن مواطنٌ دخل الحبس حيًّا وخرج «خبر وفاة»، في بلدٍ تتزايد فيه شكاوى التعذيب وسوء المعاملة و«الوفيات داخل أماكن الاحتجاز».
وقد وثّقت تقارير صحفية وحقوقية واقعة وفاة حازم، على وقع تساؤلاتٍ عن ظروف احتجازه ومسؤولية وزارة الداخلية عن سلامته القانونية والبدنية.
من شجارٍ في متجرٍ إلى زنزانةٍ مغلقة
بدأت مأساة حازم فتحي حين دخل ضابط شرطة إلى محله التجاري وطلب الحصول على بضائع من السوبر ماركت دون مقابل مادي، مستندًا إلى نفوذه وسلطته.
رفض حازم بحزم هذا الطلب، وأصر على أن القانون يجب أن يسري على الجميع، وهو ما أثار غضب الضابط الذي لجأ إلى التهديد والتلويح بعواقب وخيمة إذا لم يخضع لرغباته.
لكن حازم لم يتراجع، وأكد أن رزقه ومصدر عيش أسرته ليس مجالاً للابتزاز، لتبدأ بعدها سلسلة من المضايقات الأمنية بحقه.
من الابتزاز إلى الاعتقال
بعد أيام من المشادة، عاد الضابط مدعومًا بقوة من أفراد الشرطة، وقام باقتحام المحل والاعتداء على حازم أمام مرأى من الأهالي، ليتم اقتياده إلى قسم الشرطة بتهم ملفقة.
لم يكن الهدف سوى إذلاله ومعاقبته على رفضه الانصياع لمنظومة الاستغلال الأمني.
ومنذ تلك اللحظة دخل حازم في دوامة الانتهاكات التي تبدأ بالتعذيب النفسي والبدني، مرورًا بالحبس التعسفي، وانتهاءً بحرمان أسرته من الاطمئنان عليه أو معرفة مصيره.
خمسة أشهر من التعذيب والإخفاء
على مدار خمسة أشهر كاملة، تعرض حازم لأبشع صور الانتهاكات داخل محبسه، بحسب شهادات مقربين.
الضرب المبرح، الحرمان من الرعاية الطبية، العزل الانفرادي، والإهانات المستمرة، كانت أدوات ممنهجة لإجباره على الخضوع وكسر إرادته.
ومع كل يوم يمر، كان الأمل يتضاءل لدى أسرته في أن يخرج سالمًا. ورغم محاولات أهله تقديم بلاغات ومناشدات للجهات الحقوقية، فإن السلطات تجاهلت الأمر، حتى جاء الخبر الصادم: إعلان وفاته داخل محبسه..
نمطٌ يتكرّر: شكاوى التعذيب و«وفيات الاحتجاز»
قضية حازم ليست استثناءً. تُشير توثيقات حقوقية مصرية ودولية إلى وقوع عشرات الوفيات سنويًا في السجون وأماكن الاحتجاز، يرتبط بعضها بادعاءات التعذيب أو الإهمال الطبي.
وبحسب تقرير صحفي حديث، وثّقت منظماتٌ مصرية مستقلة أكثر من 50 حالة وفاة العام الماضي وحده داخل السجون وأقسام الشرطة.
هذه الأرقام –حتى مع اختلاف مصادرها وتقديراتها– ترسم نمطًا خطيرًا: منظومة احتجازٍ لا تضمن الحدّ الأدنى من الرعاية والرقابة والمساءلة، وتُحوّل الحبس الاحتياطي من إجراءٍ احترازيّ إلى بيئةِ خطرٍ داهمٍ على الحياة.
إنّ الإطار القانوني الدولي (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب) الذي صادقت عليه مصر يفرض التزامًا إيجابيًا على الدولة بحماية الحق في الحياة ومنع التعذيب والتحقيق الفعّال والمستقل في أي ادعاءاتٍ تستهدف موظفيها العموميين.