بينما يرفع النظام المصري شعارات "الأمن والاستقرار"، تكشف الوقائع اليومية عكس ذلك تمامًا. آخر مشهد صادم انتشر من سوق مدينة دشنا في محافظة قنا، حيث أقدم بلطجي يُدعى "صدام" على ترويع التجار وطلب إتاوات منهم، وحين رفضوا، عاد مطلقًا الرصاص وسط السوق.
رفض التجار الاستسلام وردوا بإطلاق نار مماثل، ليتحول السوق إلى ساحة معركة في وضح النهار.
هذه الواقعة، التي وثقتها فيديوهات متداولة، ليست مجرد حادثة فردية، بل تعبير حي عن الانفلات الأمني المتصاعد في مصر، حيث غابت الداخلية عن المشهد، تاركة المواطنين يواجهون مصيرهم أمام البلطجة المسلحة.
 

دشنا تكشف وجه الفوضى
ما جرى في دشنا يختصر حال مصر في عهد النظام الحالي: قانون غائب، سلاح متفشٍ، وشرطة غائبة إلا عندما يتعلق الأمر بملاحقة المعارضين.
لم يكن الحادث مجرد مشاجرة عابرة، بل تجسيدًا لانهيار الردع، حيث أصبح التاجر أو المواطن البسيط بلا حماية، يضطر للرد بالسلاح على من يحاول فرض الإتاوات عليه.
الأخطر أن هذه الحوادث لم تعد تخفى، بل يتم تصويرها ونشرها على نطاق واسع، لتصبح شهادة مصورة على أن الشارع المصري بات بلا سيطرة حقيقية للدولة.

ونشر نشطاء فيديوهات تظهر بلطجي اسمه صدام  وهويتجول في سوق دشنا مطالبا التجار بإتاوات مروعا المواطنين، وعقب ما رفضوا الانصياع له، غادر ثم عاد وأطلق النار فردوا عليه بإطلاق نار متبادل وأصبحت مهزلة، في غياب تام للتواجد الأمني نظرا لأن الداخلية يدها مشغولة بتعذيب وقتل المواطنين في الأقسام والسجون، أما في مواجهة حقيقية بالسلاح، لا تجدهم، إلا بعد انتهاء الواقعة.

https://x.com/i/status/1957009383541309794
https://x.com/i/status/1957009383541309794
 

أين الداخلية؟
الداخلية التي تسخر قوتها الغاشمة في ملاحقة الناشطين وتفريق الاحتجاجات السلمية، تبدو غائبة تمامًا أمام التهديدات الحقيقية للمجتمع.
ففي الوقت الذي يروّع فيه البلطجية الأسواق بالسلاح، تنشغل قوات الأمن بتعذيب المواطنين في الأقسام أو مطاردة المغردين على مواقع التواصل.
إنها مفارقة مؤلمة: من السهل اعتقال شاب يكتب رأيًا مخالفًا، لكن من الصعب مواجهة عصابة مسلحة ترهب الناس في وضح النهار.
 

عودة زمن الفتوات
مشهد "صدام" في دشنا يعيدنا إلى زمن "الفتوة" الذي كنا نظن أنه انتهى مع قيام الدولة الحديثة.
لكن الواقع اليوم يؤكد أن منطق الغاب عاد، حيث يتحكم البلطجية في الأسواق ويفرضون الإتاوات.
المواطن المصري لم يعد يلجأ للشرطة، لأنه يعلم أنها لن تحضر أو ستأتي بعد فوات الأوان، بل بدأ يعتمد على سلاحه أو عصبيته العائلية.
وهكذا، تعود مصر تدريجيًا إلى عصر الفوضى الأهلية بدلًا من دولة القانون.
 

حوادث مشابهة في محافظات أخرى
دشنا ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من الانفلات الأمني:

  • في قها بالقليوبية اندلعت مشاجرة مسلحة بالأسلحة النارية بين عائلتين، أسفرت عن قتلى وجرحى، وسط غياب أمني مريب.
  • في المرج بالقاهرة، نشر ناشطون مقاطع لمطاردات مسلحة بين بلطجية بالسيوف والخرطوش، ما أثار رعب الأهالي لعدة أيام.
  • في المنيا وأسيوط، شهدت القرى نزاعات دموية بين عائلات استخدمت فيها البنادق الآلية بشكل علني.
  • في الجيزة، رصدت الصحف عدة وقائع بلطجة على سائقي الميكروباص وإجبارهم على دفع إتاوات مقابل العمل في مواقف عشوائية.

هذه الحوادث، المتكررة في كل محافظة تقريبًا، تعكس أن الانفلات لم يعد استثناءً بل أصبح القاعدة اليومية التي يعيشها المصريون.
 

نظام يزرع الرعب ويجني الفوضى
النظام يبرر قبضته الحديدية بذريعة "مكافحة الإرهاب"، لكنه يتجاهل أن المواطن يواجه إرهابًا يوميًا من البلطجية وتجار المخدرات وتجار السلاح.
غياب الردع القانوني جعل هؤلاء أكثر جرأة، حتى أن بعضهم بات يصور جرائمه وينشرها متحديًا السلطة.
ما يحدث هو انعكاس طبيعي لسياسة تغض الطرف عن الفوضى مقابل استمرار النظام في قمع المعارضة السياسية.

وفي نهاية التقرير نحب أن نوضح أن حادثة دشنا وما سبقها وما سيتلوها تؤكد أن مصر باتت دولة بلا قانون في نظر مواطنيها.
الشرطة التي كان يفترض أن تحميهم تخلت عن دورها، فبات المواطن في مواجهة مباشرة مع الفوضى.

فاستمرار هذه الحالة يهدد ليس فقط الأمن الشخصي للأفراد، بل يهدد بنية المجتمع كله، حيث يختفي "العقد الاجتماعي" بين الدولة وشعبها.
وإذا لم يعد الأمن لخدمة الناس بدلًا من قمعهم، فإن مصر ستبقى رهينة لفتوات وأسواق يغزوها السلاح، بينما تكتفي السلطة بالصمت أو الاستعراض الإعلامي.