تشهد السودان منذ أشهر تصاعداً خطيراً في حالات الكوليرا، وسط تحذيرات متنامية من انتقال الوباء إلى دول الجوار وعلى رأسها مصر، في ظل ضعف النظام الصحي وتدمير البنية التحتية بفعل الحرب المستمرة.
وتشير أحدث البيانات الصادرة عن المنظمات الصحية إلى تسجيل أكثر من عشرة آلاف إصابة مؤكدة ومشتبه بها، إضافة إلى مئات الوفيات منذ عودة المرض في منتصف عام 2023، مع تركز الحالات في ولايات الخرطوم، الجزيرة، النيل الأبيض ودارفور.
وفيما تتحدث تقارير الأمم المتحدة عن خطر وبائي يهدد ملايين المدنيين، تتهم جمعيات حقوقية قوات "الدعم السريع" بالمساهمة في تفشي المرض نتيجة حصارها للمدن ومنع وصول المساعدات الطبية والإنسانية.
 

تصاعد الأرقام وتحذيرات عاجلة
الأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة السودانية تعكس صورة مقلقة: أكثر من 10 آلاف إصابة بين مؤكدة ومحتملة، وأكثر من 300 حالة وفاة حتى مطلع عام 2025.
ورغم جهود الاستجابة المحدودة، تستمر المعدلات في الارتفاع خصوصاً في مناطق النزوح التي تعاني من شح المياه النظيفة وانعدام خدمات الصرف الصحي.
تقارير طبية محلية تشير إلى أن النيل الأبيض والجزيرة أصبحا بؤرتين رئيسيتين للمرض، بينما يخشى الأطباء من انتقال العدوى بسرعة نحو ولايات الشمال والحدود المصرية مع ازدياد حركة النزوح.
https://x.com/i/status/1958778664788562388
 

تهديد لمصر ودول الجوار
تحذيرات الأمم المتحدة لا تقتصر على السودان، بل تمتد إلى مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا.
فانتشار المخيمات على طول الحدود، مع تدفق آلاف اللاجئين يومياً، يرفع احتمالات انتقال العدوى إلى هذه الدول. في مصر على وجه الخصوص، يثير الخبراء مخاوف من أن ضعف الرقابة على بعض المعابر الحدودية قد يفتح ثغرة لانتقال الكوليرا إلى الداخل المصري، ما يستدعي إجراءات عاجلة من وزارة الصحة المصرية لتعزيز الفحوص والرقابة الصحية على القادمين من السودان.
 

تقارير الأمم المتحدة والجمعيات الحقوقية
منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" أصدروا عدة بيانات تحذيرية خلال الأشهر الماضية، مشيرين إلى أن أكثر من 70% من المرافق الصحية في مناطق النزاع خارج الخدمة، وأن ملايين السودانيين لا يحصلون على مياه شرب آمنة.
الجمعيات الحقوقية الدولية بدورها اتهمت الأطراف المتحاربة، وخاصة قوات الدعم السريع، باستخدام الحصار كسلاح حرب عبر منع وصول المساعدات الطبية والغذائية، ما زاد من سرعة انتشار الكوليرا داخل مخيمات النازحين.
بعض التقارير الحقوقية أشارت إلى أن غياب شبكات الصرف الصحي وانهيار أنظمة النظافة في المدن المحاصرة جعل البيئة مثالية لتكاثر الجراثيم.
 

الحرب كعامل رئيسي في تفشي المرض
لا يمكن فصل انتشار الكوليرا عن واقع الحرب المدمرة التي يشهدها السودان منذ أبريل 2023.
القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع أدى إلى نزوح أكثر من عشرة ملايين شخص داخلياً وخارجياً، مما خلق بيئة مكتظة وغير صحية.
المستشفيات أُغلقت أو دُمّرت، وسلاسل الإمداد الطبية تعطلت بالكامل في بعض الولايات.
كما أن استهداف محطات المياه والبنى التحتية زاد من اعتماد السكان على مصادر مياه ملوثة.
في ظل هذا الواقع، تحولت الكوليرا إلى وباء يصعب السيطرة عليه، ويمثل تهديداً إقليمياً يتجاوز حدود السودان.
 

دور الدعم السريع في الأزمة الإنسانية
تتهم تقارير طبية وحقوقية قوات الدعم السريع بدور أساسي في تعميق المأساة الصحية.
فهذه القوات، وفق الشهادات الميدانية، منعت قوافل الإغاثة من دخول بعض المدن مثل الجنينة وزالنجي، وقامت بفرض حصار طويل على أحياء داخل الخرطوم.
كما أُفيد بأنها استولت على مخازن طبية ومساعدات أممية، ما حرم السكان من اللقاحات والأدوية المضادة للجفاف التي تُعتبر أساسية في مواجهة الكوليرا.
هذه الممارسات جعلت تفشي المرض أكثر سرعة، ورفعت أعداد الإصابات والوفيات بشكل متسارع.

وفي النهاية يبدو أن السودان يقف على حافة كارثة صحية شاملة، حيث اجتمع الوباء مع الحرب والنزوح ليشكّلوا معاً خطراً إقليمياً حقيقياً.
إن تحذيرات الأمم المتحدة والجمعيات الحقوقية لم تعد مجرد إنذارات على الورق، بل واقع ملموس يهدد حياة الملايين.
وفي حال لم يتم احتواء الأزمة عبر تدخل دولي عاجل، فإن انتقال الكوليرا إلى مصر ودول الجوار سيكون مسألة وقت، وهو ما يضع المنطقة كلها أمام تحدٍ صحي غير مسبوق منذ عقود.