شهدت عدة مدن حول العالم موجات احتجاج أمام السفارات المصرية، وفق ما ذكره الكاتب صالح سالم، رفضًا لما وصفه المتظاهرون بـ"تواطؤ القاهرة في حصار غزة". وبرزت واقعة مثيرة للجدل في نيويورك عندما اعتدى عناصر من بعثة مصر لدى الأمم المتحدة على مراهقين أمريكيين من أصل مصري وجرّوهما إلى داخل المبنى أثناء تظاهرة ضد الأوضاع الإنسانية المتدهورة في القطاع.

ذكرت العربي الجديد أن هذه الحادثة وقعت بعد أيام فقط من تسريب فيديو لوزير خارجية الانقلاب بدر عبد العاطي وهو يوجّه أحد مسؤولي سفارة مصر في لاهاي بجرّ المتظاهرين بالقوة واستدعاء الشرطة. أثار ذلك مخاوف من تصاعد العنف مع تزايد التظاهرات التي تنتشر أمام السفارات المصرية في أكثر من دولة.

رفع والد الشابين، أكرم السمّاك، دعوى قضائية ضد البعثة المصرية في نيويورك، مؤكدًا أن نجليه علي وياسين كانا يشاركان في وقفة سلمية للمطالبة بفتح معبر رفح والسماح بدخول المساعدات إلى غزة. وأوضح أن موظفين بالبعثة اعتدوا عليهما بالسلاسل الحديدية وقيّدوا أحدهما حول رقبته، ثم وجّهوا لهما اتهامات بالتخريب. أسقط الادعاء التهمة عن علي بينما يواجه ياسين اتهامات أشد خطورة قد تقوده إلى السجن.

الناشط مصطفى الحسيني، الذي نشر مقاطع الفيديو، اتهم وزارة الخارجية المصرية بتحريض الدبلوماسيين على انتهاك القانون الأمريكي. وأشار إلى أن التظاهرات أمام السفارات المصرية في واشنطن ونيويورك جرت لسنوات بلا حوادث مشابهة، معتبرًا ما جرى "تصعيدًا خطيرًا" وداعيًا منظمات حقوقية أمريكية للتدخل.

بدأت الاحتجاجات منذ يوليو، وتركزت مطالبها على فتح معبر رفح وإدخال المساعدات الإنسانية في ظل استخدام الجيش الإسرائيلي التجويع كسلاح ضد سكان غزة. وامتدت المظاهرات إلى أكثر من 16 دولة بينها بريطانيا وهولندا وتركيا وليبيا، حيث لجأ المحتجون إلى أساليب رمزية مثل إغلاق بوابات السفارات بالسلاسل أو قرع الأواني للدلالة على المجاعة.

بالمقابل، ظهر مصريون في الخارج للدفاع عن السفارات، مثلما حدث في لاهاي حين أعلن رجل أنه "يحرس" البعثة ضد المتظاهرين بينما هتف آخرون ضد سياسة القاهرة تجاه غزة. واعتبر السفير السابق معتز أحمدين أن حماية مقار البعثات مسؤولية حكومات الدول المضيفة، داعيًا إلى معاملة بالمثل في قضايا أخرى مثل إصدار التأشيرات وزيارات المسؤولين.

يرى مراقبون أن هذه التظاهرات تمس جوهر سياسة مصر تجاه غزة، والمتمثل في ملف المساعدات الإنسانية. فمنذ سنوات، لعبت القاهرة دورًا أساسيًا في إحكام الحصار بالتوازي مع إغلاق إسرائيل لمعابر القطاع، خاصة خلال عهد حسني مبارك وعداء نظامه لحركة حماس، ثم تشديد السيسي للإجراءات عبر تدمير الأنفاق في سيناء.

بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، أصبح معبر رفح المنفذ الوحيد لسكان القطاع. أنشأت مصر مركزًا لوجستيًا في العريش لاستقبال المساعدات قبل إدخالها عبر المعبر، إلا أن الجانب الإسرائيلي سيطر على البوابة في مايو 2024 ومنع دخول القوافل. وأكد أحمدين أن "إسرائيل هي من تتحكم ببوابة غزة وتمنع عبور الشاحنات رغم تكدس أكثر من 5 آلاف منها في الجانب المصري".

رغم ذلك، واصلت القاهرة الضغط الدبلوماسي، ورافق عبد العاطي رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى في جولة على المعبر منتصف أغسطس، حيث وصف سياسة إسرائيل بأنها "تجويع ممنهج" وطالب المجتمع الدولي بالضغط لفتح المعابر.

يؤكد مسؤولون فلسطينيون، بينهم مصطفى نفسه، أن القاهرة تبذل جهودًا كبيرة لكن إسرائيل هي التي تعرقل مرور المساعدات. إلا أن متظاهرين في الخارج يلومونها على عدم ممارسة ضغوط كافية على واشنطن وتل أبيب.

منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979، احتفظت مصر بعلاقات وثيقة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وتقوم بدور الوسيط مع قطر في المفاوضات غير المباشرة حول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. وفي 18 أغسطس، نجحت مصر وقطر في إقناع حماس بقبول إطار لوقف إطلاق النار صاغه مبعوث أمريكي.

يرى محللون فلسطينيون مثل أيمن الرقب أن مصر تبذل أقصى ما يمكنها، وأن الضغط المصري كان حاسمًا في إدخال أي مساعدات منذ بداية الحرب. ويؤكد أن تحسين الظروف المعيشية في غزة يمثل أداة مصرية لحماية أمنها القومي ومنع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي شدد أكثر من مرة على أن مصر لن تكون بوابة لتهجير سكان القطاع، بينما يسعى الاحتلال الإسرائيلي –بحسب محللين– إلى جعل غزة غير صالحة للحياة لدفع أهلها إلى الرحيل. وهنا، يوضح الرقب أن "مصر تدافع عن أمنها القومي عبر إدخال المساعدات وجعل غزة قابلة للحياة"، معتبرًا أن القضية الفلسطينية برمتها قضية أمن قومي لمصر.

https://www.newarab.com/news/nyc-hague-protests-egypt-embassies-over-gaza-complicity