من 70 إلى 1750 جنيهاً: الكهرباء التي صعقت المصريين بدل أن تنير بيوتهم.
في مشهد يلخّص معاناة المصريين خلال العقد الأخير، كتب الصحفي أحمد لطفي ساخرًا: "2014 فاتورة الكهرباء 70 جنيه، 2025 فاتورة الكهرباء 1750 جنيه، هي دي البركة اللي قال عليها بسلامته."
جملة قصيرة، لكنها تحمل وجع ملايين الأسر المصرية التي وجدت نفسها فجأة عاجزة عن دفع فواتير الكهرباء، بعدما تحوّلت من خدمة أساسية مدعومة إلى عبء خانق يلتهم رواتب الطبقة الوسطى والفقيرة على حدّ سواء.
2014 فاتورة الكهرباء 70 جنيه
— AHMAD LOTFI (@AHMADLO13219562) September 5, 2025
2025 فاتورة الكهرباء 1750 جنيه
هي دي البركة اللي قال عليها بسلامته
من الدعم إلى الجباية
حتى عام 2014، كانت فواتير الكهرباء في متناول أغلب الأسر المصرية، حيث لم تتجاوز فاتورة المنزل المتوسط 70 جنيهاً شهريًا.
لكن مع وصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، اتّبعت الحكومة سياسة ما سُمّي بـ"إعادة هيكلة الدعم"، تحت ذريعة "ترشيد الإنفاق" و"خفض عجز الموازنة".
هذه السياسة، التي رُوّج لها باعتبارها جزءاً من "الإصلاح الاقتصادي"، تحوّلت عملياً إلى رفع تدريجي ومستمر لأسعار شرائح الكهرباء.
واليوم، بعد أكثر من عشر سنوات من هذه السياسة، أصبحت الفاتورة الشهرية للكهرباء تصل إلى 1750 جنيهًا وربما أكثر، أي ما يعادل 25 ضعفًا مقارنة بما كانت عليه قبل عقد.
هذا الارتفاع الجنوني لا يمكن تفسيره فقط بزيادة أسعار الوقود أو تكاليف التشغيل، بل يعكس توجّهًا ممنهجًا لتحويل أعباء الأزمة الاقتصادية إلى جيوب المواطنين.
"الجباية بالعداد".. غضب شعبي يتصاعد
لم تكن تدوينة أحمد لطفي الوحيدة التي عبّرت عن هذا الغضب. فالمواطنون أطلقوا العنان لتجاربهم عبر منصات التواصل:
-
كتب أحدهم: "فاتورة الكهرباء وصلت عندي 3000 جنيه في شهر 7 اللي فات!"
x.com/rjbkb332108/status/1964228912524693919 -
وسخر آخر: "لا ده العجب العُجاب."
-
وأضاف ثالث: "الحكومة مش شغالة لصالح المواطن، دي بتقلب المواطن، ويقولك الأزمة عدّت والأسعار نزلت والمواطن حس بالفرق... مش بس بيكذبوا، دول كمان بيستعبطونا!"
x.com/HishamEltahan4/status/1964264953604448632 -
وتابع مواطن آخر بمرارة: "يا باشا احنا بنشحن كارت الكهرباء أسبوعيًا بـ1500 جنيه في الصيف!"
x.com/ygfhm2001/status/1964220183045607828 -
وكتب محمد معلقًا بحدة: "بركات لصوص العسكر..."
x.com/mohamed06361560/status/1964302603145400680
الخبراء: هذه ليست إصلاحات، بل "جباية سياسية"
الخبير الاقتصادي ممدوح الولي وصف هذه الزيادات المستمرة بأنها "ضريبة غير معلنة"، تستخدمها الحكومة لسد عجز الموازنة دون الاقتراب من جذور الأزمة، وعلى رأسها الديون الخارجية التي تجاوزت 170 مليار دولار.
أما الباحث عمار فايد، فأكد أن ما يحدث ليس إصلاحًا اقتصاديًا، بل عملية تحميل منهجي للمواطن ثمن فشل الحكومة في إدارة الموارد، موضحًا أن مصر تحوّلت إلى "دولة جباية"، تعتمد على رفع أسعار الخدمات والضرائب غير المباشرة لتلبية شروط الدائنين الدوليين.
ويضيف المحلل الاقتصادي هشام حسن أن الأرقام صادمة: "بينما لا يزيد متوسط دخل الموظف الحكومي عن 6 آلاف جنيه، قد تصل فاتورة الكهرباء وحدها إلى أكثر من ربع هذا الدخل، مما يضع الأسر تحت ضغط نفسي واقتصادي خانق."
الكهرباء من خدمة إلى كابوس
الأزمة لم تعد اقتصادية فقط، بل اجتماعية بامتياز.
الكهرباء التي كانت تُعتبر خدمة أساسية وحقًا من حقوق المواطن، أصبحت هاجسًا شهريًا يرعب الأسر.
كثيرون اضطروا إلى تقليل استخدام المكيفات والأجهزة الكهربائية، فيما يعيش آخرون على أمل ألا تُقطع الخدمة بسبب المديونيات المتراكمة.
المأساة تتفاقم حين نعلم أن هذه الزيادات تتزامن مع موجات غلاء شاملة طالت الوقود، المياه، الغذاء، الدواء، والنقل.
وبهذا، تكتمل صورة الانهيار المعيشي الذي يخنق المواطن المصري من كل الجهات.
السيسي والوعود الزائفة: "البركة" التي ذبحت الناس
حين استولى عبد الفتاح السيسي على الحكم، وعد المصريين بأن "مصر هتبقى قد الدنيا"، وبأن قراراته ستجلب "البركة".
لكن الواقع جاء صادمًا:
- ارتفاع جنوني في الأسعار
- انهيار تاريخي للجنيه
- ديون خارجية خانقة
- تآكل للطبقة الوسطى
- واتساع فجوة الفقر
تصريح أحمد لطفي لم يأتِ من فراغ، بل عبّر عن شعور عام بالخديعة.
الوعود تحوّلت إلى كوابيس.
والكهرباء تحوّلت من نور في البيوت إلى نار في الجيوب.
من فاتورة إلى فضيحة
من 70 إلى 1750 جنيهًا... ليست مجرد أرقام، بل قصة وطن يسير في طريق اقتصادي خاطئ، يُحمِّل مواطنيه فاتورة الفشل.
الكهرباء التي وُجدت لتحسين الحياة، أصبحت تمثل تهديدًا لها.
وما يُقال عن "الإصلاح الاقتصادي" ما هو إلا قناع لسياسات تستنزف الشعب لحماية مصالح القلة الحاكمة، وتغذية مشروعات استعراضية لا تسمن ولا تغني من جوع.
تلخيصًا موجعًا لأمة جُرّدت من حقها في العيش الكريم، تحت سلطة لا ترى في شعبها إلا مصدرًا دائمًا للجباية.ما كتبه أحمد لطفي لم يكن سخرية عابرة، بل