في الوقت الذي يتباهى فيه رئيس مجلس إدارة شركة "نايل لينين" المهندس سعيد أحمد أمام الإعلام والمستثمرين بقدرة شركته على منافسة الأسعار الصينية في السوق العالمية، يظل الوجه الآخر من القصة غائبًا عن الأضواء: معاناة العمال المصريين الذين يدفعون ثمن هذه النجاحات من دمائهم وأعصابهم وحقوقهم المسلوبة.

فخلف أرقام الصادرات المليارية، تقف منظومة أجور متدنية وقوانين عمل ظالمة، تُحيل حياة العمال إلى دوامة من الاستغلال والإذلال.

https://x.com/i/status/1966813203809140754
 

أجور متدنية وعقوبات قاسية
في مصانع "نايل لينين"، يبلغ متوسط أجر العامل 5 آلاف جنيه فقط، وهو مبلغ بالكاد يغطي احتياجات أسرة صغيرة في ظل الغلاء الفاحش وارتفاع تكاليف المعيشة.
ومع ذلك، إذا غاب العامل يومًا واحدًا دون إذن، يُخصم من راتبه ألف جنيه كاملة، أي خمس الأجر الشهري، في عقوبة تعسفية لا تتناسب مع حجم الخطأ.

هذه السياسات القاسية لا تعكس سوى فلسفة استغلالية ترى في العمال مجرد أدوات إنتاج يمكن استنزافها بلا اعتبار لإنسانيتهم. فبدلًا من توفير بيئة عمل إنسانية تراعي ظروفهم، تتحول اللوائح الداخلية إلى سيف مسلط على رقابهم.
 

مأساة فقدان الرضيعة
من بين القصص المفجعة التي خرجت من أسوار المصنع، قصة عاملة فقدت رضيعتها نتيجة تعنت مشرفة مباشرة معها.
فحين طلبت إذنًا عاجلًا لمغادرة العمل للاطمئنان على طفلتها المريضة، قوبل طلبها بالتعسف والرفض، ما أدى إلى تفاقم الحالة الصحية للرضيعة حتى فارقت الحياة.

هذه الحادثة ليست مجرد واقعة فردية، بل تجسيد صارخ لثقافة إدارية ترى العاملات مجرد أرقام في جداول الإنتاج، بلا أي اعتبار لظروفهن الإنسانية والأسرية.
 

"أسعار الصين" من دم المصريين
شعار الشركة عن قدرتها على البيع بأسعار تنافس الصين ليس إلا انعكاسًا لواقع مؤلم: تكلفة رخيصة تتحقق على حساب الأجور المنهكة وحقوق العمال المهدورة.
فبينما يحصل المستثمرون على أرباح ضخمة ويُشاد بالمصانع في المعارض الدولية، يبقى العمال في الداخل محرومين من أبسط مقومات الكرامة والعدالة.

في المقابل، تفتقر مصر إلى منظومة فعالة للرقابة على ظروف العمل، إذ تُترك الشركات لتحدد سياساتها بشكل منفلت، دون رادع حقيقي أو نقابات مستقلة قادرة على الدفاع عن حقوق العمال.
 

قوانين عمل ظالمة
ما يزيد الطين بلة هو الإطار القانوني نفسه. فالقوانين المصرية الخاصة بالعمل وحماية حقوق العمال، بدلًا من أن تكون درعًا يحمي الطرف الأضعف في علاقة العمل، أصبحت أداة لتكبيله.
فمن السهل على صاحب العمل فصل أي عامل بحجة "الإخلال باللوائح"، بينما تكاد تكون حقوق العمال في الإضراب أو التفاوض الجماعي مجرد حبر على ورق.

وفي كثير من الحالات، يتم إجهاض أي محاولة للإضراب أو الاحتجاج عبر مكالمة هاتفية من مسؤول، أو تدخل مباشر من الشرطة، في انتهاك واضح لحق دستوري أصيل.
هذه الممارسات تكرس واقعًا خطيرًا يضع العمال تحت رحمة أصحاب المصانع، ويجعل العدالة الاجتماعية مجرد شعار بعيد المنال.
 

دولة بلا عدالة اجتماعية
ما يحدث في "نايل لينين" ليس استثناءً، بل جزء من مشهد أشمل يعاني فيه ملايين العمال المصريين من تدني الأجور، وغياب التأمين الصحي الجاد، وانعدام الأمان الوظيفي.
فالدولة التي تُفاخر بجذب الاستثمارات والصادرات، تغض الطرف عن ثمن هذا "النجاح" المدفوع من صحة العمال وحياتهم.

بدلًا من إصلاح منظومة الأجور وضمان بيئة عمل عادلة، تترك الحكومة العمال يواجهون مصيرهم وحدهم، وتُغلق كل المسارات القانونية والنقابية التي تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم.
 

أرباح على حساب الأرواح
إن مأساة العاملة التي فقدت رضيعتها ليست حادثة عابرة، بل ناقوس خطر يكشف الوجه الحقيقي لاقتصاد يقوم على الاستغلال. فما جدوى أرباح بالمليارات إن كان ثمنها دموع الأمهات وأرواح الأبرياء؟

إن استمرار هذه السياسات الظالمة لا يعني سوى تعميق الفجوة بين أصحاب المصانع والعمال، وتحويل بيئة العمل في مصر إلى نسخة من العبودية الحديثة.
وما لم تتحرك الدولة بجدية لتغيير هذا الواقع، فإن قصص الألم ستظل تتكرر، وسيدفع العمال وحدهم ثمن "أسعار الصين" التي يتباهى بها أصحاب الشركات.