أعلنت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، إحالتها مع وزيرا الدفاع والخارجية في حكومتها وكذلك الرئيس التنفيذي لشركة الصناعات الدفاعية "ليوناردو"، إلى المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة التواطؤ في "الإبادة الجماعية" المرتبطة بالهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة. ويأتي ذلك في ظل تصاعد التوتر الدولي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحملة العنف التي أودت بحياة عشرات الآلاف في غزة منذ أكتوبر 2023.
ميلوني وصفت القضية بأنها غير مسبوقة في التاريخ، قائلة في مقابلة إعلامية مع شبكة "راي" الإيطالية الحكومية: "لا أعتقد أن هناك حالة أخرى مماثلة في العالم أو في التاريخ". ولم تكشف عن هوية الطرف الذي رفع الدعوى، إلا أن تقارير إخبارية قالت إن الدعوى رفعتها مجموعة محامون وقانونيون من أجل فلسطين، تضم أكثر من 50 أستاذ حق وقانون ومحامي وشخصية عامة.
أسباب الدعوى: دعم إيطاليا لإسرائيل وإمدادها بالأسلحة
تتهم الدعوى الحكومة الإيطالية بقيادة ميلوني بتزويد إسرائيل، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالأسلحة التي استخدمت في الحملة العسكرية على غزة. ووفق الوثيقة المقدمة للمحكمة الجنائية، يُتهم الوزراء وشركة ليوناردو بتقديم دعم عسكري فتاك يُعد جزءًا من "الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية" التي ارتُكبت ضد المدنيين الفلسطينيين في القطاع المحاصر.
شركة ليوناردو الدفاعية، التي تملك الحكومة الإيطالية حوالي 30% من أسهمها، تعتبر واحدة من أكبر شركات الصناعات الدفاعية والطيران والأمن في أوروبا، وتلعب دورًا بارزًا في إمداد أنظمة تسليح متطورة تعد بمثابة دعم أساسي لأدوات القتال الإسرائيلية.
ردود ميلوني وشركة ليوناردو
ردت رئيسة الوزراء ميلوني، مبدية دهشتها من الاتهامات، ورفضها التام لها، معتبرة أن إيطاليا لم تصدر أي تراخيص لتزويد إسرائيل بأسلحة جديدة بعد السابع من أكتوبر 2023، مثلما أكدت في تصريحها. كما أكدت أن الأمر يمثل محاكمة سياسية ومحاولة تقويض لمواقف حكومتها التي تدعم إسرائيل ودفاعها عن حلفائها.
وأكد متحدث باسم شركة ليوناردو أن الاتهام "تلفيق خطير للغاية"، وأن الشركة سبق وأن عبرت عن موقفها في مقابلة مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الشهر الماضي، موضحين أنهم ملتزمون بالقوانين الدولية واللوائح المعمول بها.
السياق السياسي والاجتماعي في إيطاليا
تشهد إيطاليا حالة من الاحتجاجات الشعبية، حيث خرج مئات الآلاف إلى الشوارع في مظاهرات واسعة تندد بالحرب الإسرائيلية على غزة، وتطالب بموقف سياسي حازم ضد الانتهاكات الإسرائيلية. وتعرضت ميلوني لانتقادات حادة من قبل المحتجين بسبب دعمها الواضح لإسرائيل وعدم اتخاذ مواقف تحترم حقوق الفلسطينيين، بالإضافة إلى عدم الاعتراف بدولة فلسطين.
الحكومة الإيطالية اليمينية بقيادة ميلوني لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية أو التجارية مع إسرائيل، رغم أزمة الحرب في غزة، وقد وصفت الهجمات في غزة "بغير المتناسبة"، لكنها لم تتخذ خطوات باتجاه الضغط السياسي واستدراك الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
تداعيات قانونية وسياسية محتملة
تأتي هذه الخطوة القضائية الدولية في إطار متواصل يشهد تدخل المحكمة الجنائية الدولية في قضايا النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. ففي نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال العمليات العسكرية.
الدعوى ضد ميلوني ووزراء إيطاليا ورئيس ليوناردو تعكس ضغوطًا متزايدة على الدول التي تدعم إسرائيل عسكريًا وسياسيًا، وستشكل اختبارًا جديدًا لمدى قدرة الهيئات القضائية الدولية على محاسبة الأطراف الدولية المشاركة أو المتواطئة في جرائم حرب أو إبادة.
أهمية المحاكمة الدولية وحقوق الإنسان
يرى خبراء حقوقيون أن محاكمة مسؤولين دبلوماسيين ومدنيين على هذا المستوى، وخاصة في دول أوروبية لها وزن سياسي ودبلوماسي، يمثل خطوة هامة لتعزيز العدالة الدولية وحقوق الإنسان. فهذه المحاكمات ليست فقط لمعاقبة مرتكبي الجرائم ولكن أيضًا لتحذير الدول من خرق القانون الدولي واستخدام الأسلحة في الحروب ضد المدنيين.
الدكتور سامي الشريف، محامٍ ومتخصص في القانون الدولي، أكد أن إحالة رئيسة وزراء دولة أوروبية رفيعة المستوى إلى المحكمة الجنائية الدولية يرسل رسالة قوية بضرورة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، ويبرز مسؤولية الدول والشركات عن أفعالها في النزاعات المسلحة.
وفي النهاية تعتبر إحالة جورجيا ميلوني ووزيري الدفاع والخارجية ورئيس شركة ليوناردو إلى المحكمة الجنائية الدولية خطوة غير مسبوقة في التاريخ السياسي والقانوني، تعكس تصاعدًا كبيرًا في محاسبة الأطراف المسؤولة عن دعم الصراعات المسلحة التي تؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
القضية تضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي في تطبيق القانون الدولي ونزع الحصانة عن المسؤولين، وتفتح باب النقاش حول دور الدول الأوروبية في النزاعات الخارجية وضرورة مراجعة سياساتها الخارجية بما يحترم حقوق الشعوب والقانون الإنساني.
في الوقت ذاته، تستمر الاحتجاجات الشعبية في إيطاليا ومعها الضغط المتزايد على الحكومة اليمينية لتغيير موقفها السياسي تجاه القضية الفلسطينية، مع بروز دور المحكمة الجنائية الدولية كجهة قضائية هامة تحقق العدالة الدولية.