بعد عامين من حرب مدمرة في غزة، طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطة سلام وصفتها وسائل إعلام غربية بأنها قد لا تحقق سلاماً دائماً، لكنها تفتح الباب أمام تهدئة وتسوية مؤقتة.
الخطة التي تم الإعلان عن موافقة إسرائيل وحركة حماس على مرحلتها الأولى، جاءت بعد محادثات غير مباشرة في مصر، وتتضمن إطاراً من 21 نقطة يهدف إلى إنهاء القتال، وإعادة إعمار القطاع، وفتح مسار لدولة فلسطينية مستقبلية، لكنها محفوفة بالتحديات والانتقادات.
تفاصيل المرحلة الأولى: وقف إطلاق النار مقابل الرهائن
أعلن ترامب أن المرحلة الأولى من الخطة، التي تم التوصل إليها بعد مشاورات قادها صهره جاريد كوشنر ومبعوثه ستيف ويتكوف، تتضمن وقفاً لإطلاق النار وانسحاباً إسرائيلياً جزئياً إلى ما يسمى بـ"الخط الأصفر" في غزة.
في المقابل، سيتم الإفراج "قريباً جداً" عن جميع الرهائن الإسرائيليين، الأحياء منهم والأموات، الذين تحتجزهم حماس منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023.
وقد أكدت حركة حماس التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب يتضمن انسحاباً إسرائيلياً وتبادل أسرى، لكنها طالبت بضمانات لتنفيذ إسرائيل الكامل لوقف إطلاق النار.
رؤية "اليوم التالي": حكومة تكنوقراط وقوة دولية
تذهب الخطة إلى ما هو أبعد من مجرد وقف القتال، حيث ترسم ملامح "اليوم التالي" في غزة، وتتضمن بنوداً رئيسية أبرزها :
- حكومة انتقالية: إدارة غزة من قبل حكومة تكنوقراط فلسطينية مؤقتة، تحت إشراف هيئة دولية جديدة تقودها واشنطن بالتعاون مع شركاء عرب وأوروبيين، وذلك إلى حين استكمال إصلاحات السلطة الفلسطينية.
- نزع سلاح حماس: تشترط الخطة بشكل واضح منع حماس من الحكم ونزع سلاحها بالكامل، وهو شرط قد يمثل العقبة الأكبر أمام قبول الحركة بالخطة كاملة.
- قوة استقرار دولية: تشكيل قوة مؤقتة بقيادة أمريكية وعربية للإشراف على الأمن وتدريب شرطة فلسطينية محلية، مع انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي.
- إعادة الإعمار: صياغة خطة اقتصادية شاملة لإعادة بناء غزة، وإنشاء منطقة اقتصادية بضرائب مخفضة، على أن تساهم دول عربية "تمتلك ثروات طائلة" في تمويلها، بحسب ترامب.
- رفض التهجير: أحد أبرز التحولات في الموقف الأمريكي هو تشجيع الفلسطينيين على البقاء في غزة، والتراجع عن أي خطط للتهجير القسري.
الإعلام الغربي: تفاؤل حذر وانتقادات لاذعة
تفاوتت ردود فعل الإعلام الغربي بشكل كبير. ففيما رأى بعض المحللين، مثل ديفيد إيغناسيوس في "واشنطن بوست"، أن ترامب وضع "أسساً صلبة" لإنهاء الكابوس في غزة، سادت الشكوك والانتقادات في معظم التغطيات.
المتشككون: اعتبرت صحف مثل "وول ستريت جورنال" ومجلة "فورين بوليسي" أن الخطة تطالب حماس بـ"الاستسلام غير المشروط"، وهو أمر مستبعد، مما قد يؤدي إلى تنفيذ جزئي للخطة واستمرار الصراع في مناطق أخرى.
النقاد: ذهبت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية إلى حد القول إن الخطة تهدد بإغراق المنطقة في حرب لعشرين عاماً إضافية، بينما وصفتها "الإندبندنت" البريطانية بأنها "خدعة استعمارية جديدة".
الإيجابيات: النقطة الإيجابية شبه الوحيدة التي أجمعت عليها صحف مثل "نيويورك تايمز" هي تراجع ترامب عن خطط التهجير القسري. لكنها أشارت إلى أن الخطة تترك الكثير من "علامات الاستفهام" وتتطلب انخراطاً أمريكياً قوياً وتفاوضاً شاقاً حول كل نقطة.
في المحصلة، تبدو خطة ترامب محاولة لفرض تسوية عبر مزيج من الضغوط العسكرية والإغراءات الاقتصادية.
ورغم نجاحها في تحقيق تهدئة أولية، إلا أن شروطها الصعبة، خاصة فيما يتعلق بنزع سلاح حماس ومستقبل السلطة في غزة، تجعل من تحقيق "سلام أبدي"، كما يصفه ترامب، أمراً بعيد المنال، وتترك الباب مفتوحاً أمام سيناريوهات متعددة، تتراوح بين تسوية هشة وصراع طويل الأمد.