دخلت مدغشقر مرحلة جديدة بعدما غادر رئيسها أندري راجولينا البلاد بشكل مفاجئ، في مشهد يعيد إلى الأذهان ثورات الشباب في دول أخرى. وأكدت مصادر سياسية وعسكرية أن رحيله جاء بعد أن أعلنت وحدات من الجيش رفضها استخدام القوة ضد المتظاهرين، في خطوة قلبت موازين القوى وأفقدت النظام دعائمه الأساسيةن وذالك بعد أسابيع من الغليان الشعبي والاحتجاجات المتصاعدة.
وبحسب ما أعلنه زعيم المعارضة سيتيني راندرياناسولونيايكو، فإن الرئيس راجولينا غادر البلاد مساء الأحد، متوجهاً إلى وجهة غير معلومة، وسط تكهنات بأنه حصل على مساعدة فرنسية لتأمين خروجه.
خروج برعاية فرنسية
كشفت مصادر عسكرية أن الرئيس الهارب استقل طائرة عسكرية فرنسية من طراز “كازا”، بعد اتفاق تم التوصل إليه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وأوردت الإذاعة الفرنسية أن الطائرة أقلعت من مطار سانت ماري، بعد أن نُقل راجولينا إليها بمروحية عسكرية، دون وقوع اشتباكات تُذكر.
هذا التطور، وإن تم في صمت، إلا أنه أثار تساؤلات واسعة في الداخل والخارج حول مدى تورط باريس في حماية أحد أبرز حلفائها في إفريقيا، خصوصًا بعد تزايد الانتقادات الموجهة إلى النفوذ الفرنسي في القارة.
الرئيس يظهر بعد غيابه
وفي أول ظهور له منذ فراره، خرج راجولينا عبر بث مباشر على “فيسبوك” ليؤكد أنه في “مكان آمن”، مشيراً إلى تعرضه لمحاولة اغتيال، دون تقديم تفاصيل. وقال في خطابه: “اضطررت لإيجاد مكان آمن لحماية حياتي، لكنني لم أتوقف يوماً عن البحث عن حلول سلمية”.
وأضاف أنه متمسك بـ“احترام الدستور”، رافضاً دعوات المعارضة والمحتجين إلى التنحي، في حين لم يُفصح عن مكان وجوده.
خطاب الرئيس بدا، وفق مراقبين، محاولة لتهدئة الشارع وامتصاص الغضب الشعبي، لكنه جاء متأخرًا بعد أن فقد النظام السيطرة على الشارع والمؤسسة العسكرية معًا.
من أزمة معيشية إلى انتفاضة شبابية
اندلعت شرارة الاحتجاجات في 25 سبتمبر الماضي، إثر أزمة حادة في المياه والكهرباء، لكن سرعان ما تحولت إلى حركة جماهيرية تطالب بإصلاحات شاملة، ومكافحة الفساد، وتحسين الخدمات العامة.
قاد الحراك جيل “زد” — أي الشباب الذين وُلدوا بين عامي 1997 و2012 — مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم المسيرات وتوحيد الصفوف، ما جعلها أول حركة احتجاجية في تاريخ مدغشقر تنطلق من الفضاء الرقمي لتتحول إلى انتفاضة ميدانية واسعة.
العاصمة تناناريف كانت مركز الغليان، حيث امتلأت ساحتها الرئيسية بحشود ضخمة لأسابيع متتالية. وردت قوات الأمن باستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، لكن الانعطافة الكبرى جاءت حين أعلنت وحدة “كابسات” العسكرية — التي سبق أن لعبت دورًا حاسمًا في انقلاب 2009 الذي أوصل راجولينا نفسه إلى السلطة — أنها “ترفض إطلاق النار على المواطنين”، في موقف وُصف بأنه بداية النهاية للنظام الحالي.
تأثيرات ما بعد النيبال
اللافت أن مشهد مدغشقر لم يأتِ بمعزل عن حركات احتجاجية مشابهة في دول أخرى، وعلى رأسها النيبال، التي شهدت الشهر الماضي مظاهرات حاشدة قادها جيل “زد” ضد الفقر والفساد وتراجع الخدمات.
ويرى مراقبون أن ما يجري في مدغشقر يُشكّل امتدادًا لموجة شبابية جديدة تعيد تعريف السياسة في الدول النامية، إذ يجتمع فيها الغضب الاقتصادي مع وعي رقمي متطور، ليصوغ جيلاً لا يعترف بالحدود الجغرافية ولا بالنظم التقليدية في الحكم.
من هو جيل «زد»؟
يُطلق مصطلح “جيل زد” على الفئة التي وُلدت بين عامي 1997 و2012، وهي أول فئة تُعتبر "رقمية الأصل" (Digital Native)، نشأت في عالم تغمره التكنولوجيا والاتصال الفوري عبر الإنترنت.
يمتاز هذا الجيل بقدرته على التنظيم الإلكتروني السريع، ونزوعه إلى التعبير المباشر عبر المنصات الرقمية، ورفضه الأطر السياسية الكلاسيكية. ويؤكد باحثون أن “جيل زد” لا يطالب بالسلطة بقدر ما يسعى لإعادة تعريفها، عبر قيم العدالة والمساءلة والشفافية.