خلال المفاوضات التي جرت مؤخرًا بمدينة شرم الشيخ وأفضت إلى وقف إطلاق النار في غزة، بموجب خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبوساطة كل من مصر وتركيا وقطر، تمسك الكيان الصهيوني برفضه التام الإفراج عن جثتي زعيم حركة "حماس" يحيى السنوار، وشقيقه محمد كجزء من صفقة تبادل الأسرى مع "حماس".

ويحتفظ الكيان بجثمان يحيى السنوار منذ أن استشهد بنيران جيش الاحتلال في غزة في أكتوبر 2024، لما يشكله من رمزية للمقاومة، باعتباره العقل المدبر والمخطط لهجوم 7 أكتوبر 2023.

كما يحتفظ أيضًا بجثمان شقيقه الأصغر، محمد، الذي كان يتولى قيادة كنائب القسام، الجناح العسكري لـ "حماس"، الذي استشهد هو الآخر على جيش الاحتلال هذا العام، وعثر على جثته في يونيو الماضي.

 

جثمان يحيى السنوار

ويحيط الغموض بمصير جثمان يحيى السنوار، في إطار إجراءات سرية يفرضها الاحتلال على مكان دفنه، فبعد تشريحه نقل إلى مكان سري، دون أن يتضح ما إذا كان سيتم استخدامه كورقة مساومة في المفاوضات للتوصل إلى صفقة تبادل الرهائن المحتجزين لدى "حماس".

وقال الدكتور تشين كوجيل، مدير المعهد الوطني للطب الشرعي بدولة الاحتلال، والذي قال إنه أشرف على تشريح جثمان السنوار، في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، إنه تم تسليم الجثمان إلى جيش الاحتلال. ولم يعرف مكان الاحتفاظ به.

وفقًا لتقديرات جون ب. ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، فإن الكيان سيحاول على الأرجح تجنب تحول مكان دفن السنوار إلى مزار، على غرار أسامة ابن لادن، زعيم "القاعدة"، والذي قُتل في عام 2011 على يد القوات الأمريكية، ودُفن في البحر. لكن ألترمان رجح أن موقع دفن السنوار سيكون على الأرجح في الكيان الصهيوني.

 

رمزًا للمقاومة

وينظر إلى السنوار بوصفه رمزًا للمقاومة الفلسطينية، بعد أن نجح في التخطيط لهجمات السابع من أكتوبر الذي هزت صورة الكيان في العالم، بعد أن أدت إلى مقتل 1200 صهيوني، وأسر أكثر من 250 آخرين على يد "حماس".

وقضى السنوار 22 عامًا في سجون الاحتلال، وتولى قيادة "حماس" منذ عام 2017، دون أن يتزعزع إيمانه بأن "حماس" ستنتصر على الحصار الإسرائيلي، وقد نجحت الحركة تحت قيادته في حفر شبكة الأنفاق بغزة التي أدارت الحركة منها الحرب لمدة عامين، كما أنها كانت على الأرجح المكان الذي احتفظت فيه الحركة بالرهائن.

 

وثائق السابع من أكتوبر

كان السنوار ينظر إلى المقاومة باعتبارها الخيار الأول لتحرير الأرض واستعادة الأسرى من سجون الاحتلال. وكان يمتلك عقلية مذهلة في التخطيط، وهو ما يتضح من خلال وثائق عثر عليها في مجمع تحت الأرض كان يستخدمه شقيقه محمد السنوار، مكتوبة بخط يد شقيقه الأكبر يحيى، وتكشف النقاب عن تفاصيل مذهلة للتخطيط لهجمات السابع من أكتوبر 2023.

وتتألف المذكرة التي تحمل تاريخ 24 أغسطس 2022، التي اطلعت عليها صحيفة "نيويورك تايمز" ونشرتها وسائل إعلام عبرية من 5 صفحات مكتوبة بخط اليد، وتقدم رؤية استثنائية للعقلية التخطيطية لحماس.

وتدعو الوثيقة صراحة إلى "استهداف عناصر الجيش والمجتمعات المدنية" مع التأكيد على توثيق العمليات وبثها "بغرض إحداث رعب داخلي وزعزعة استقرار الدولة الإسرائيلية".

وتكشف التسجيلات الصوتية التي اعترضتها وحدة الاستخبارات الصهيونية (8200) يوم الهجوم عن صدى مذهل لتلك التوجيهات. ففي صباح السابع من أكتوبر، أمكن سماع الأصوات وهي تأمر المقاتلين بـ "ابدأوا بإضرام النار في المنازل" و"احرقوا، احرقوا، أريد أن تكون الكيبوتس كلها ألسنة لهب".

اللغة المستخدمة في المذكرة تتسم بدقة لافتة وبعد استراتيجي عميق. فهي لا تكتفي بالدعوة إلى إضرام النار في الأحياء السكنية "بالبنزين أو الديزل من صهريج"، بل تذهب إلى التخطيط لـ "عمليتين أو ثلاث تُحرق فيهما أحياء بأكملها أو مطاعم أو ما شابه".

وتكشف التسجيلات عن بعد إعلامي محوري في الخطة، حيث يطالب القادة المقاتلين بتصوير وبث مشاهد العمليات "لإثارة مشاعر الرأي العام العربي وتحفيز من خارج غزة على الانضمام إلى القتال"، وهو ما يظهر تطورًا لافتًا في استراتيجيات حماس القتالية.

الوثيقة والتسجيلات معًا ترسم صورة لعمليات متعددة الموجات، تبدأ باختراق الحاجز الحدودي باستخدام جرافات، وتنتقل إلى موجات متكررة من المهاجمين، وتنتهي بتعليمات ذات مثل "دق رؤوس الجنود بالأقدام" و"فتح النار من مسافة قريبة".