يوافق اليوم الذكرى الأولى لاستشهاد يحيى السنوار، زعيم حركة "حماس"، والعقل المدبر والمخطط لهجمات السابع من أكتوبر 2023، الذي تمثل نقطة فارقة في تاريخ الصراع مع الصهاينة، لما كان لها من تداعيات على منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

 

كان السنوار متسقًا مع نفسه إلى حد الإبهار، فعلى الرغم من أنه زعيم "حماس"، والمطلوب الأول لدى الصهاينة، لكنه كان يقاتل بشجاعة إلى جانب المقاومين في الميدان، كان يتنقل من مكان إلى آخر، لا ليختبئ، أو يعيش في الأنفاق من أجل سلامته، فقد كانت الحياة في عينه رخيصة للغاية، وكان يمني نفسه بالشهادة، وكان له ما اراد وتمنى.

 

نضال حتى الاستشهاد

 

فقد استشهد "أبو إبراهيم" في اشتباك مسلح مع جيش الاحتلال ظهر يوم الأربعاء الموافق 16 أكتوبر2024 رفقة قائد كتيبة تل السلطان في رفح وحارسه الشخصي محمود حمدان. ولم يكن جنود الاحتلال الذين اشتبكوا معه يعلمون أنه القائد، قبل أن يكتشفوا المفاجأة لاحقًا، ويعلموا أنه السنوار، بعد أن أخذ جيش الاحتلال عينة من الحمض النووي وقام بتحليلها.

 

سيظل استشهاد السنوار في ذاكرة الوعي الجميع، ليس فقط للفلسطينيين، بل لكل أنصار الحرية بالعام، فقد كان وهو الجريح يواجه "الدرون" بعصا، كان جالسًا ملَثِّمًا وجهه المتعب بكوفية فلسطينية، وبعد تقدم المسيّرة نحوه قذفها بعصاه في لحظة جسّدت فلسفته: "المقاومة حتى الرمق الأخير".

 

وسرعان ما تحوّل المشهد إلى أيقونة عالمية، واضطر إعلام الاحتلال نفسه إلى الاعتراف بجسارة الموقف، وكتب بعضهم: "هكذا يموت الأبطال"، واعتبره آخرون "أسطورة مقاومة حية".

 

حينها خرج رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ليزف إلى شعبه مقتل السنوار، معتبرًا أن وفاته تمثل "بدايةُ عصر جديد دون حُكم حماس على غزة"، لكن "حماس" لازالت على العهد باقية، متمسكة بالمقاومة كخيار لها، مؤكدة في الذكرى الأولى لاستشهاده، أن دماء القادة الشهداء وفي مقدمتهم القائد المجاهد يحيى السنوار، ستبقى وقودًا لمسيرة المقاومة حتى تحرير الأرض والمقدسات، مشددة على أن "جذوة الطوفان لن تخبو".

 

الإفراج عن الأسرى

 

وضع السنوار الإفراج عن الأسرى بسجون الاحتلال ضمن قائمة الأهداف من وراء إطلاق "طوفان الأقصى"، وبعد ثلاثة أسابيع من اشتعال الصراع، اقترح سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين المعتقلين في سجون الاحتلال مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن. لكن نتنياهو ومجلس الحرب الصهيوني رفضوا هذا العرض عدة مرات، قبل أن يتراجعوا في بداية ديسمبر 2023 ويقبلوا بصفقة تبادل جزئية.

 

أسفرت الصفقة عن وقف إطلاق النار لمدة أربعة أيام، وتم خلالها إطلاق سراح 240 أسيرًا فلسطينيًا من سجون الاحتلال مقابل إطلاق سراح 105 مدنيين محتجزين ضمن الرهائن في غزة، بالإضافة إلى السماح بإدخال المساعدات الإنسانية والوقود إلى قطاع غزة.

 

المقاومة بعد استشهاد السنوار

 

لكن الحرب استؤنفت بعد انتهاء فترة الهدنة، وعلى غير ما كان يعتقد كثير من المحللين بأن استشهاد السنوار سيمهد لوقف إطلاق النار في غزة، وسيمخد جذوة المقاومة، لكنها أبلت بلاءً حسنًا في حدود إمكانياتها التسليحية وقدراتها البشرية، وأجبرت في النهاية الاحتلال على القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات، ونجحت "حماس" في اتفاق تبادل الأسرى بشرم الشيخ في إطلاق 250 من أصحاب المحكوميات العليا، و1700 أسير تم اعتقالهم منذ السابع من أكتوبر، مقابل إطلاق سراح 101 رهينة مححتجز في غزة.

 

لكن المكسب الأهم الذي أراده السنوار من "طوفان الأقصى" هو أحياء القضية الفلسطينية بعد أن كاد يطويها النسيان، حتى أنها أصبحت تحظى بتعاطف الملايين حول العالم، الذين عبروا بكل الوسائل المتاحة عن تضامنهم معها، وبالتالي فإن السابع من أكتوبر سيؤرخ لميلاد جديد لأصحاب الأرض كتبوه بدمائهم الغالية، لم ينكسروا رغم محاولة إذلالهم، ولم يركعوا أبدًا لعدوهم، ولم يلقوا سلاحهم على الأرض، بل سيظلون ما كان فيهم قلب ينبض يبذلون الغالي والنفيس لأجل قضيتهم، وعدالتها.