أعلنت هيئة الدواء المصرية، منتصف أكتوبر 2025، وقف بيع المضادات الحيوية المصنفة ضمن فئة “الريزيرف” في الصيدليات العامة واقتصار صرفها على المستشفيات، وذلك ضمن أول دليل وطني لتنظيم وصف وصرف المضادات الحيوية، بهدف مكافحة مقاومة البكتيريا وحماية الصحة العامة، الإعلان جاء على لسان رئيس الهيئة علي الغمراوي خلال ظهور إعلامي يوم 15–16 أكتوبر.
 

ما الذي تغيَّر بالضبط؟
وفق بيان الهيئة والدليل الوطني، تُصنّف أدوية مثل الكوليستين، واللينزوليد، والتيجاسايكلين وغيرها ضمن مجموعة الاحتياطي (Reserve) ولا يجوز صرفها إلا لحالات الطوارئ والمستشفيات التي تلتزم بإجراءات ما قبل الإذن (preauthorization).

كما أُشير إلى إجراءات تفتيشية وتطبيق عقوبات؛ إذ نُفّذت حملات تفتيش على 513 منشأة دوائية تم توقيع مخالفات على 13 منها وإيقافها مؤقتًا.
 

لماذا اتخذت الحكومة هذا القرار الآن؟
الخلفية الدولية ضاغطة؛ منظمة الصحة العالمية نشرت تقارير في أكتوبر 2025 تحذر من ارتفاع مقاومة البكتيريا عالمياً، تقريرها الأخير يذكر أن واحداً من كل ست عدوى بكتيرية أصبح مقاومًا للعلاجات، وأن المنطقة الشرقية للمتوسط تسجل مستويات مرتفعة من المقاومة، هذا السياق الدولي استُخدم لتبرير القرار داخليًا كخطوة تماشياً مع المعايير.
 

أرقام تكشف حجم المشكلة.. لكن لماذا غابت الوقاية سابقًا؟
الأرقام المحلية التي أوردتها مصادر صحفية ورسمية تُظهر سوقاً دوائياً ضخماً، سوق الأدوية المصري يُقدَّر بمئات المليارات من الجنيهات، وهناك نحو 887 منتجًا مضادًا للميكروبات مسجلًا ومبيعات سنوية بالملايين من العبوات، بينما تُقدر نسبة صرف المضادات بدون وصفة طبية بحوالي 55%، رقم يوضح استشراء البيع العشوائي الذي أدى إلى زيادة المقاومة.

هذه أرقام تتطلب تخطيطًا ممنهجًا منذ سنوات، وليس قرارات مفاجئة.
أين الفشل الحكومي؟ ربط بين القرار والصورة الأكبر لحكم السيسي

القرار نفسه إيجابي من منظور فني، لكن ما يثير النقد هو توقيته وطريقة التطبيق؛ نظام السيسي يتباهى بمشاريع ضخمة وبروتوكولات إعلامية، بينما تم تجاهل بناء نظام رقابي فعال في المجتمع والقطاع الصيدلي لسنوات.

عندما تُفرض قيود فجائية، تتحول إلى إجراء شكلي إذا لم تُرافقها سياسات دعم للفئات الفقيرة (وهي الأكثر اعتمادًا على الصيدلي كمقدّم رعاية أولي).

النقطة الأساسية: هل هذا دليل على صحة مؤسسية تتعاظم، أم على إدارة أزمات ردّية تُدار إعلامياً لتغطية إخفاقات أعمق في الخدمات؟ هنا يبرز الانتقاد السياسي أن السلطة تتخذ قرارات تقنية لكنها تفشل في بناء مؤسسات تراعي الفقراء وتضمن تطبيقاً شفافاً ومستداماً.
 

تصريحات المسؤولين.. بين التجميل والاعتراف بمشكلة حقيقية
قال رئيس هيئة الدشواء علي الغمراوي إن المضادات من فئة الريزيرف تُستخدم فقط في الحالات القصوى وأن الدليل أُعدّ بالتعاون مع وزير الصحة ومجلس النواب؛ تصريحات تُستخدم لعرض إنجاز تنظيمي.

من جهة أخرى، وزير الصحة خالد عبد الغفار والمسؤولون تناولوا القضية سابقًا كجزء من استراتيجية وطنية لمقاومة المضادات، ما يؤكد أن المشكلة معروفة منذ سنوات ولكن التنفيذ الفعّال جاء متأخراً.
 

آثار القرار على المرضى والفقراء.. مخاطر وتوقعات
تطبيق حصر صرف هذه الأدوية بالمستشفيات قد يحسن الاستخدام السريري، لكنه يحمل مخاطرة حقيقية للفئات التي تعتمد على الصيدليات لتلقي العلاج السريع.

في غياب بدائل رعاية أولية قوية ونظام إحالة فعّال، قد يؤدّي ذلك إلى تأخّر علاج حالات حقيقية وارتفاع أعباء المستشفيات خاصة إذا لم تُرافق الإجراءات حملات توعية وتمويلًا لدعم المستشفيات والمختبرات والبرامج الوقائية.

تقارير سابقة تُبيّن أن بيع المضادات بدون وصفة كان شائعًا بواقع أكثر من نصف حالات الصرف، وهذا لا يُصلح بتعليمات مركزية فقط.
 

الدبلوماسية والصورة الدولية.. استثمار أم ستار؟
على الصعيد الدولي، مصر منخرطة في حوارات مع وكالات مثل منظمة الصحة العالمية والاتحاد الأوروبي بشأن تنظيم الدواء والجاهزية الدوائية، وتُعرض هذه الخطوات كدلائل على التزام دولي، مفيد دبلوماسياً لكنه لا يعالج جذور المشكلة داخل الدولة.

زيارات وتعاونات رسمية مثل تواصل مع هيئات دوائية أوروبية ، لصقل صورة النظام دولياً بينما تبقى السياسات المحلية غير مكتملة.

وقف بيع مضادات الريزيرف في الصيدليات قرار صحي منطقي ومطلوب لمواجهة موجة المقاومة العالمية، لكن في مصر، حيث ضعف الشبكات الصحية الأولية وبيع دواء دون رقابة سائد لسنوات، يبقى هذا القرار مُعرّضًا لأن يتحوّل إلى عمل شكلي إذا لم يترافق مع إصلاحات بنيوية، إشراف فعال، دعم للفقراء، رقابة شفافة، وبرامج تعليمية مستدامة.