أثارت واقعة إحالة الصحفي محمد طاهر، المحرر بجريدة الأخبار المسائي منذ 15 عامًا، إلى نيابة العبور على خلفية بلاغات تقدم بها وزير السياحة والآثار ضده، حالة من الجدل والغضب في الوسط الصحفي والإعلامي، بعد أن ربط كثيرون بين الاستدعاء الأمني وبين التقارير الصحفية التي نشرها طاهر مؤخرًا، والتي تناولت قضايا فساد وإهمال داخل الوزارة، من بينها سرقة أسورة ذهبية فرعونية من المتحف المصري بالتحرير.

 

الصحفي المعروف بتخصصه في تغطية شؤون السياحة والآثار، استُدعي أمس إلى مباحث الإنترنت بدعوى "الاستعلام والدردشة" حول بعض المنشورات، لكنه فوجئ – بحسب نقابة الصحفيين – بوجود بلاغ رسمي من أحد معاوني الوزير يتهمه بنشر معلومات غير صحيحة تسيء إلى الوزارة. وتم التحقيق معه لعدة ساعات قبل أن يُفرج عنه في ساعة متأخرة من الليل بكفالة 2000 جنيه، عقب تدخل نقابة الصحفيين.

 

نقابة الصحفيين تتدخل وتندد بالإجراءات


قال خالد البلشي، نقيب الصحفيين، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، إن "الزميل محمد طاهر تم استدعاؤه بطريقة غير قانونية دون إخطار النقابة، وهو ما يعد مخالفة صريحة لقانون الصحافة والإعلام"، مشددًا على أن "استدعاء الصحفيين للتحقيق يجب أن يتم بحضور ممثل عن النقابة".

 

وأشار البلشي إلى أن النقابة أوفدت اثنين من أعضائها، هما إيمان عوف، رئيس لجنة الحريات، ومحمد الجارحي، وكيل النقابة، لحضور التحقيقات، مؤكدًا أن ما حدث "يعكس انحيازًا في الإجراءات لصالح أحد المسؤولين لمجرد أنه يحمل صفة وظيفية داخل الوزارة".

 

وأضاف البلشي أن الزميل طاهر كان من أوائل من كشفوا عن واقعة سرقة الأسورة الذهبية من المتحف المصري، وسبق أن تناول في تقاريره عدداً من ملفات الفساد والإهمال الإداري داخل الوزارة، وهو ما "يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء البلاغ المقدم ضده".

 

 

خلفية الواقعة: من سرقة أثر ذهبي إلى مواجهة قضائية


القضية بدأت عندما نشر محمد طاهر تقريرًا صحفيًا تناول فيه ما وصفه بـ"التعتيم غير المبرر" على واقعة سرقة أسورة ذهبية فرعونية من المتحف المصري، مشيرًا إلى أن بعض المسؤولين داخل الوزارة حاولوا التغطية على الحدث.

 

التقرير أثار ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ودفع الوزارة لإصدار بيان رسمي ينفي حدوث أي سرقة داخل المتحف، مؤكدة أن "جميع مقتنيات المتحف تخضع لرقابة دقيقة".

 

غير أن الجدل تصاعد بعدما تقدّم أحد معاوني الوزير ببلاغ ضد طاهر، متهماً إياه بنشر أخبار كاذبة، وهو ما فُسّر في الأوساط الصحفية على أنه محاولة لترهيب الصحفيين ومنعهم من تناول ملفات الفساد داخل المؤسسات الحكومية.

 

تضامن واسع من الصحفيين.. ومطالب بمحاسبة المسؤولين


وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة تضامن واسعة مع محمد طاهر، إذ عبّر عدد من الصحفيين والنشطاء عن رفضهم لما وصفوه بـ"استخدام سلاح البلاغات" ضد الصحفيين بدلاً من الرد الإعلامي أو اللجوء للشفافية.

 

وقال أحد الصحفيين في تدوينة على منصة "إكس": "إحالة صحفي للتحقيق لأنه كشف سرقة أثر من المتحف المصري، تمسّ سمعة مصر أكثر من أي تقرير صحفي. المطلوب هو المحاسبة لا الملاحقة."

 

كما أكد محمد الجارحي، وكيل نقابة الصحفيين، أن النقابة ستواصل متابعة القضية حتى النهاية، مضيفًا أن "تكرار مثل هذه الوقائع ضد الصحفيين مؤشر خطير، ويجب أن يتوقف نهائيًا".

 

حوادث مشابهة.. والوزير في مرمى الانتقادات


ويُذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها وزير السياحة والآثار أو وزارته لانتقادات بسبب الجوء إلى البلاغات ضد مواطنين أو صحفيين. فقد سبق أن تقدم الوزير نفسه ببلاغ ضد شاب نشر فيديو ترويجيًا باستخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم صورة مبتكرة عن المتحف المصري الكبير، ما أدى إلى القبض على الشاب قبل أن يتنازل الوزير لاحقًا عن البلاغ بعد موجة غضب شعبي.

 

ويرى مراقبون أن تكرار هذا النمط من التعامل مع الإعلاميين يضع الوزارة في مواجهة مفتوحة مع الصحافة، ويثير تساؤلات حول مدى احترام حرية التعبير، خصوصًا في القضايا التي تتعلق بالتراث الوطني والرأي العام.