كشفت الناشطة الحقوقية البريطانية سارة ويلكينسون في بيان لها، أن السلطات البلجيكية قامت باعتقال الشقيقين أنس وطارق حبيب في العاصمة بروكسل، وذلك بناءً على طلب مباشر من النظام المصري، بالتزامن مع زيارة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
الواقعة التي لم تعلن عنها الحكومة البلجيكية بشكل رسمي حتى الآن، أثارت قلقًا واسعًا في أوساط حقوق الإنسان الأوروبية، وسط تساؤلات عن مدى تورط حكومات غربية في ملاحقة معارضين أو نشطاء مصريين على أراضيها، بناءً على "مذكرات سياسية" أكثر منها قانونية.
سياق الاعتقال: زيارة سياسية وظلال أمنية
زيارة السيسي إلى بروكسل جاءت في إطار تعزيز التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي في ملفات الأمن والهجرة والطاقة. لكن بحسب ما أوردته سارة ويلكينسون، فإن الزيارة لم تخلُ من صفقات أمنية خلف الأبواب المغلقة، أحدها كان يتعلق بتسليم أو توقيف شخصيات مصرية معارضة.
وقالت ويلكينسون في بيان نُشر عبر منصات منظمات حقوقية: "ما حدث مع أنس وطارق حبيب ليس سوى دليل إضافي على أن بعض الحكومات الأوروبية على استعداد للتعاون مع أنظمة سلطوية مقابل مصالح استراتيجية. اعتقال مواطنين لاجئين، دون إعلان أو تهم واضحة، فقط لأن القاهرة طلبت ذلك، أمر خطير ومخالف لأبسط معايير العدالة الدولية."
وبحسب مصادر حقوقية مقربة من عائلة المعتقلين، فإن أنس وطارق يحملان إقامات قانونية في بلجيكا، ولا توجد بحقهما إدانات جنائية، وهو ما يزيد من الشكوك حول الطابع السياسي لعملية الاعتقال.
من هم أنس وطارق حبيب؟
أنس وطارق شقيقان مصريان ينشطان في مجالات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وقد غادرا مصر قبل عدة سنوات، بعد حملة أمنية طالت نشطاء وأكاديميين على خلفية تعبيرهم عن آرائهم. يقيمان في بروكسل منذ عام 2018، وشاركا في عدد من الفعاليات الحقوقية المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، خصوصًا ملف الاختفاء القسري واعتقال الصحفيين.
بحسب ما أكدته منظمات حقوقية أوروبية، فإن الأخوين حبيب كانا تحت المراقبة من قبل أجهزة أمنية دولية بطلب من القاهرة، وتم استخدام ملف "الإرهاب" كمبرر للتعاون الأمني، رغم غياب أي أدلة مادية ضدهما.
هل أوروبا تُسلّم المعارضين مقابل مصالح؟
يأتي هذا الحادث في وقت حساس للغاية، إذ يواجه الاتحاد الأوروبي انتقادات متزايدة من منظمات حقوق الإنسان بسبب استمرار التعاون مع أنظمة متهمة بانتهاكات واسعة، وعلى رأسها النظام المصري.
فبينما تعلن بروكسل التزامها بحرية التعبير وحماية اللاجئين، تتزايد الأدلة على صفقات خلف الكواليس تسمح بتوقيف أو ترحيل معارضين، مقابل تعاون في ملفات مثل الهجرة غير النظامية، ومكافحة الإرهاب، وصفقات الطاقة.
ويلكنسون، التي كانت من أبرز الأصوات الداعية إلى وقف بيع السلاح لمصر بعد أحداث رابعة، قالت: "إذا أصبحت أوروبا ملاذًا للسلطوية بدلًا من أن تكون ملاذًا للهاربين منها، فإننا نخون القيم التي تأسس عليها الاتحاد الأوروبي".
صمت رسمي.. وضغوط متزايدة
حتى اللحظة، لم تصدر السلطات البلجيكية بيانًا رسميًا يوضح أسباب الاعتقال أو المدة المتوقعة للاحتجاز أو إن كان سيتم تسليم الأخوين حبيب إلى القاهرة. كما لم يصدر عن وزارة الخارجية المصرية أي تعليق.
لكن منظمات حقوقية بلجيكية، مثل اللجنة البلجيكية لدعم الحريات (CBFL)، طالبت الحكومة بتوضيح موقفها، والتحقيق في مدى قانونية الاستجابة لطلب تسليم سياسي كهذا، محذّرة من أن ذلك قد يفتح الباب لمزيد من الانتهاكات ضد اللاجئين والمعارضين.
مخاوف من الترحيل.. ومطالب بتدخل أممي
الخوف الأكبر الآن هو إمكانية ترحيل أنس وطارق إلى مصر، حيث يواجه المعارضون خطر المحاكمات غير العادلة، والتعرض لسوء المعاملة أو التعذيب. وتدعو عدة منظمات، من بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، الاتحاد الأوروبي إلى التدخل الفوري، وضمان عدم تسليم أي معارض سياسي إلى دولة تُسجّل فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
اختبار حقيقي لقيم أوروبا
اعتقال أنس وطارق حبيب يضع بلجيكا والاتحاد الأوروبي أمام اختبار صعب: هل تلتزم أوروبا بمبادئ اللجوء والحماية؟ أم أنها تُغلب حساباتها السياسية والأمنية على حقوق الأفراد؟
وإن ثبت أن الاعتقال جاء استجابة لضغط مباشر من زيارة رسمية، فإن ذلك يشكّل سابقة خطيرة في العلاقة بين الأنظمة السلطوية والديمقراطيات الغربية.
في انتظار نتائج التحقيق، يبقى المعتقلان قيد الاحتجاز، وتبقى القيم الأوروبية أمام لحظة حاسمة من المحاسبة.

