دخل المئات من عمال شركة المتحدة للصيادلة لتوزيع الأدوية، في اعتصام مفتوح داخل فرعي طموه والهرم بمحافظة الجيزة، احتجاجًا على سلسلة قرارات اتخذتها إدارة الشركة، شملت تخفيض الرواتب بنسبة 40%، ووقف الخدمات الطبية، وتسريح عدد من العمال دون صرف مستحقاتهم القانونية.

الاعتصام الذي بدأ صباح أمس الخميس، جاء بعد أن فقد العاملون الأمل في استجابة الإدارة لمطالبهم المستمرة منذ شهور، وعلى رأسها تطبيق الحد الأدنى للأجور المقرّر بسبعة آلاف جنيه، في حين تتراوح رواتبهم الحالية بين 2500 و3000 جنيه فقط، بعد التخفيض الأخير الذي وصفه العمال بـ"الضربة القاضية" لقدرتهم على المعيشة.

يقول أحد العمال المعتصمين – فضل عدم ذكر اسمه خوفًا من الملاحقة – إن الشركة بدأت منذ أكثر من عام خطة لتقليص العمالة بذريعة "التعثر المالي"، ليتقلص عدد العاملين من نحو 10 آلاف إلى أقل من النصف، في وقت لم تشهد فيه رواتبهم أي زيادات منذ ثلاث سنوات. 

وأضاف بأسى: “بقينا مهددين بالطرد من البيوت بسبب الإيجار المتراكم، مش قادرين ندفع كهربا ولا غاز ولا ميه.. ولا حتى نأكل عيالنا”.

ويؤكد عامل آخر أن إدارة الشركة لم تكتفِ بخفض الأجور، بل امتنعت أيضًا عن سداد اشتراكات التأمينات الاجتماعية منذ أكثر من عام، ما ترتب عليه وقف الخدمات العلاجية والطبية للعاملين، رغم استمرار خصم حصة التأمينات من مرتباتهم كل شهر.

ويتابع العامل قائلاً: “قدّمنا شكاوى لمكاتب العمل ووزارة القوى العاملة، لكن ماحدش رد، آخر حاجة عملناها إننا بعتنا تظلمات لرئاسة الجمهورية ورئيس الوزراء يمكن حد يسمعنا”.

هذه ليست المرة الأولى التي يحتج فيها عمال المتحدة؛ ففي أغسطس الماضي نظم العاملون وقفة أمام الفرع الرئيسي للشركة في دار السلام، للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة ووقف الخصومات المتكررة، لكن الوعود التي تلقوها آنذاك لم تُنفذ، ليجدوا أنفسهم اليوم في مواجهة مصير غامض.
 

أزمة متراكمة.. من التوسع إلى الإفلاس
تُعد شركة المتحدة للصيادلة من أبرز شركات توزيع الأدوية في مصر، تأسست عام 1996، وتعمل كوسيط بين مصانع الأدوية والصيدليات.
وفي عام 2021، توسعت الشركة بشكل كبير بعد استحواذها على سلسلة صيدليات 19011، غير أن هذه الصفقة كانت بداية أزمتها الحقيقية، إذ دخلت في دوامة من الالتزامات المالية الضخمة والعجز عن سداد ديونها للموردين.

نتيجة لذلك، أقامت عدة شركات دواء دعاوى إفلاس ضد المتحدة، مطالبةً بالتحفظ على أصولها ووضعها تحت إشراف لجنة من هيئة الدواء ووزارة الصحة ونقابة الصيادلة، وهو ما تحقق جزئيًا في يوليو الماضي، عندما أصدرت محكمة القاهرة الاقتصادية قرارًا بالإشراف القضائي على الشركة، وتعيين خبير مالي لمتابعة خطة إعادة الهيكلة.

وفي 21 أكتوبر الماضي، أصدرت المحكمة حكمًا جديدًا في القضية رقم 26 لسنة 2024 إفلاس، يقضي باستمرار التدابير التحفظية المفروضة على الشركة منذ فبراير 2025، بما في ذلك حظر التصرف في أصولها أو تنفيذ أي معاملات مالية لا ترتبط بالنشاط الأساسي، مع تكليف الخبير المالي بمواصلة الإشراف على تنفيذ تلك الإجراءات.
 

العمال يدفعون الثمن
وسط هذا التعقيد المالي والقانوني، وجد العمال أنفسهم الحلقة الأضعف في سلسلة الأزمات. فبينما تتبادل الإدارة والموردون الاتهامات حول المسؤولية عن التدهور المالي، تزداد معاناة العاملين الذين لم يتسلموا رواتبهم بانتظام، وفقدوا حقهم في التأمين الصحي والعلاج.

يقول أحد المعتصمين: “إحنا مش ضد الشركة ولا عايزين نقفلها، بس عايزين نعيش بكرامة، الشركة كانت بتكسب الملايين، ودلوقتي بنترمى في الشارع”.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن أكثر من 60% من العاملين بالشركة مهددون بالفصل أو التوقف عن العمل خلال الأشهر المقبلة إذا لم تنجح خطة إعادة الهيكلة في إنقاذها من الإفلاس.

ويرى خبراء في سوق الدواء أن ما يحدث داخل شركة المتحدة يكشف غياب الرقابة الفعلية على شركات التوزيع الكبرى، التي تتحكم في نحو 70% من سوق الأدوية المصري، مشيرين إلى أن استمرار الأزمة دون حلول جذرية قد يهدد سلاسل الإمداد الدوائي في البلاد، ويؤثر سلبًا على الصيدليات الصغيرة والمستهلكين على حد سواء.