رغم الضجة الإعلامية حول "تعديل" مشروع القرار الأمريكي المقدم إلى مجلس الأمن بشأن قطاع غزة، وبعد بيان تأييد عربي إسلامي مشترك صدر عن ثماني دول، يتضح أن ما جرى لا يعدو كونه تعديلات شكلية على نص مشروع لا يزال يحمل جوهرًا استعماريًا صريحًا، ويمنح إسرائيل شرعية أممية لفرض رؤيتها على مستقبل غزة، مع تنصل تام من الحقوق الفلسطينية.

 

التعديلات التي وُصفت بـ"الإيجابية" ما هي إلا تحسينات لغوية وإزالة عبارات محرجة، دون المساس بجوهر الخطة الأمريكية القائمة على تجريد الشعب الفلسطيني من سيادته، وربط أي حل برؤية أمنية تخدم إسرائيل أولًا وأخيرًا.

 

البند الأول: شرعنة خطة ترامب كما هي

 

أحد أخطر بنود المشروع هو البند الأول، الذي يقرّ خطة ترامب الشاملة بشأن غزة، ويحوّلها من أرضية تفاوض إلى قرار أممي ملزم. رغم مزاعم "الشرق" السعودية بوجود تعديل عليه، إلا أن المقارنة بين النسخة العربية المنشورة والنسخة الإنجليزية الأصلية تُظهر عدم وجود أي فارق حقيقي.

 

بمعنى أوضح، فإن تبنّي هذا البند يُعطي شرعية أممية لكل بند من بنود خطة ترامب التي لطالما وُصفت بأنها منحازة بالكامل لإسرائيل، وتنكر أبسط الحقوق الفلسطينية.

 

البند الثاني: وعود فضفاضة بلا التزام

 

التعديل الوحيد الملموس جاء في البند الثاني، والذي كان في صيغته الأصلية يربط تسليم غزة للسلطة الفلسطينية بحدوث "إصلاح مرضٍ" توافق عليه إسرائيل ومجلس السلام، ما يعني منح الاحتلال حق الفيتو على شكل الحكم الفلسطيني.

 

التعديل الجديد لا يقدم التزامًا واضحًا، بل يستخدم لغة مطاطة، تقول:

 

"بعد تنفيذ إصلاحات السلطة وتقدم إعادة الإعمار، قد تكون الظروف قد تهيأت لمسار موثوق لتقرير المصير الفلسطيني".

 

هذه الصياغة لا تلزم أحدًا بشيء، ولا تضمن قيام دولة فلسطينية، بل تفتح المجال لإبقاء الأمور في حالة "انتظار دائم"، وهو أسلوب مألوف في الدبلوماسية الأمريكية لشراء الوقت وتمييع الحقوق.

 

البند الثالث: تعديل إيجابي طفيف لا يغير المضمون

 

تم تعديل البند الثالث المتعلق بالمساعدات الإنسانية، بإزالة الفقرة الأخيرة التي كانت تستثني المؤسسات التي "أساءت استخدام المساعدات"، في تلميح واضح لاستهداف الأونروا.

 

ويُعتبر هذا التعديل نسبيًا إيجابيًا، لكنه لا يعوّض عن خطورة بقية البنود، ولا يغير الطبيعة الكلية للمشروع، الذي يصبّ في خدمة رواية إسرائيل الأمنية، على حساب الواقع الإنساني والسياسي في غزة.

 

البند السابع: نزع السلاح وفرض وصاية عسكرية

 

يبقى البند السابع هو الأخطر والأكثر تكريسًا للهيمنة. إذ ينص على نشر قوة دولية لنزع سلاح غزة، وربط الانسحاب الإسرائيلي الكامل بتحقق هذه العملية، مما يعني إطالة أمد الاحتلال بحجة "الأمن".

 

الخطير أن هذه القوة ستكون تحت إدارة "مجلس السلام"، وهو جسم غامض لم تحدد معاييره أو أعضاءه، لكن تقارير أمريكية تشير إلى أسماء مثل لاري إيليسون، رجل الأعمال المعروف بدعمه لإسرائيل، ما يكشف النوايا الحقيقية خلف المشروع.

 

بيان التأييد العربي: رضوخ بلا مقابل

 

في اليوم التالي لتقرير "الشرق"، صدر بيان مشترك من مصر والسعودية والإمارات وقطر وتركيا والأردن وباكستان وإندونيسيا يؤيد مشروع القرار المعدل. وقد اعتبر بعض المحللين أن هذا التأييد محاولة لقطع الطريق على استخدام روسيا أو الصين للفيتو.

 

لكن في الحقيقة، فإن البيان يعكس رضوخًا عربيًا محزنًا، ويشير إلى استعداد هذه الدول لتقبّل أي خطة أمريكية مهما كانت مجحفة، دون المطالبة الجادة بحقوق الشعب الفلسطيني الأساسية، وفي مقدمتها إقامة الدولة وإنهاء الاحتلال.

 

البيان لم يتضمن أي ضمانات بعدم تهجير السكان، أو ضمانات لعدم استهداف فصائل المقاومة، بل ترك الباب مفتوحًا أمام إمكانية مشاركة هذه الدول بقوات أممية تحت قيادة أمريكية إسرائيلية.
تجميل للهيمنة لا حل حقيقي

 

ما يسمى "تعديلات" على مشروع القرار الأمريكي ليست إلا محاولة لتجميل مشروع استعماري فج. فلا جديد في النصوص، ولا التزام بإقامة الدولة الفلسطينية، بل هناك سعي واضح لفرض واقع جديد بالقوة السياسية والعسكرية.

 

ومع غياب إرادة عربية حقيقية للرفض أو الضغط، وغياب القيادة الفلسطينية الموحدة، تبقى الكرة في ملعب الشعوب التي وحدها تملك حق رفض هذه المخططات، وإعادة فرض حق تقرير المصير على الطاولة رغماً عن الاحتلال... ورغماً عن من يسوّقه.